المساء

تحليل قصيدة المساء لايليا ابي ماضي

تمهيد:

لعبت الرومانسية -عموما – والرابطة القلمية – خصوصا – دورا مهما في تطوير الشعر العربي وتحريره من القيود التي كانت تكبله.

ويعتبر إيليا أبو ماضي شاعر الرابطة القلمية الأول، وقد اشتهر بتساؤلاته حول الوجود، وبتفاؤله في الحياة.

فإلى أي حد يعكس النص رؤية الشاعر الخاصة في الحياة؟ وماهي خصائص التطوير والتجديد في النص؟

ملاحظة النص:

وبناء على شكل النص، وعنوانه، وبدايته، ونهايته، نفترض ان النص ينتمي الى خطاب التطوير والتجديد لأنه:

+ صيغ في قالب جديد يخرق النظام العروضي القديم، واعتمد على نظام الاسطر المتفاوتة الطول مع تنويع القافية والروي.

+ يتخذ الطبيعة (المساء) كمادة للتأمل وكموضوع تفكير، ويستعمل صورا تقوم على المجاز وتشخيص الطبيعة. كما يعبر عن رؤية خاصة للحياة.

فهم النص:

ويمكن تقسيم النص الى ثلاثة مقاطع:

× نظرة سلمى المتشائمة للمساء (من البيت الأول الى البيت الثاني عشر)

× نظرة الشاعر المتفائلة للمساء (من البيت الثالث عشر الى البيت الثامن عشر)

× دعوة الشاعر سلمى الى التمسك بالتفاؤل والامل والاحلام والحب والفرح وترك التأمل والكأبة والاسى (من البيت التاسع عشر الى البيت الثلاثين)

يتسم المضمون الفكري للنص بالتجديد لان القصيدة تعبر عن موقف فكري واحد، وعن رؤية تأملية في الحياة من خلال الطبيعة، أسسها التفاؤل والدعوة الى المحبة والجمال.

التحليل:

وبناء على ما تقدم يمكن تصنيف المعجم الى:

× معجم دال على نظرة الناس للطبيعة....سحب، خائفين، صفراء، اشباح الكهولة

× معجم دال على نظرة الشاعر للطبيعة.....نجوم، نهر، ابتسامات، طروب، نهار، أحلام، رغائب...

ويمكن اختزال الحقل الأول في تيمة التشاؤم، والثاني التفاؤل، مع هيمنة تيمة التفاؤل. ويقوم المعجم بوظيفة تعبيرية تدل على رفض عالم الناس التشاؤمية، والتطلع الى عالم الطبيعة حيث السعادة والحب والتفاؤل.

وقد تسم المعجم بجدته، وكونه مستمدا من الذات والطبيعة، كما ان لغته قريبة من لغة الحياة.

 الايقاع:

وتتجلى سمات التجديد على صعيد الإيقاع كذلك. فالإيقاع الخارجي بني وفق نظام الشعر الحر، وتبنى توزيعا جديدا لتفعيلات بحر الكامل (متفاعلن)، فمرة تكون اربع تفعيلات في السطور الطويلة، وتفعيلتين في السطور القصيرة.

اما القافية فمتنوعة، تارة مطلقة وتارة مقيدة. كما تختلف حدودها اذ تتكون من سبع عناصر واحيانا من  ثمان عناصر وأخرى من اربع عناصر. وتنوع الروي كذلك (النون، الدال، الميم، الكاف...) كما تنوعت حروف الوصل (هاء ساكنة، ياء مد، الف المد)، اما حرف الردف فهو تارة ياء المد وتارة واو المد.

اما الإيقاع الداخلي قام على تكرار الأصوات والكلمات التي توحي بجو التفاؤل وتقوم بوظيفة تعبيرية.

الصور الفنية:

ومن حيث الصور الفنية، فنلاحظ انها تقوم على المجاز وتشخيص الطبيعة وذات وظيفة تعبيرية ويمكن تصنيفها الى:

× صور دالة على التشاؤم (السطر الأول والثاني)

× صور دالة على التفاؤل (السطور 16– 17– 18)

× صور دالة على الحلول (السطرين الاخرين من النص)

كما وظف الشاعر الإيحاء، وهو نوع من الصورة يقوم على تشكيل جديد ويتميز بالتوليد والامتداد ولا ينتمي الى نوع بلاغي قديم مما يدل على ان النص يعد صلة وصل بين خطاب التطوير والتجديد وخطاب المعاصرة والتحديث. ومن الكلمات الموحية في النص:

+ المساء و الليل وهي توحي بالحزن والتشاؤم

+ النهار والضحى وهي توحي بالفرح والتفاؤل

الاساليب:

واذا انتقلنا الى الأساليب، فسنلاحظ ان النص يزاوج بين الوظيفة التعبيرية والتأثيرية، و يتبين ذلك من خلال:

× الأسلوب الخبري الذي بعبر عن نظرة الناس التشاؤمية (الاسطر 1 و2 و3) وعن نظرة الشاعر المتفائلة ( الاسطر 10 و11.....)

× الأسلوب الانشائي الذي يعبر عن رفض واقع الناس ورؤيتهم للحياة، ويؤثر في القارئ قصد جعله يتبنى رؤية الشاعر ومن امثلة ذلك:

- الاستفهام الذي يفيد التعجب والاستغراب من نظرة الناس:

ارأيت أحلام الطفولة تختفي خلف النجوم؟/ ام ابصرت عيناك اشباح الكهولة في الغيوم؟

- الامر:

لتكن حياتك/ دعي الكائبة، وهو امر يفيد العرض والطلب برفق.

× الضمائر:

زاوج الشاعر بين ضمير المتكلم الذي يعبر عن ذات الشاعر، وضمير المخاطب الدال على المتلقي.

خاتمة:

نستخلص ان النص يتشابه مع نص ميخائيل نعيمة من حيث التجديد في الشكل، ويتشابه مع نص جبران من حيث التجديد في الموضوع، ولكنه يختلف عن النصوص الأخرى لأنه جدد على صعيد الشكل اكثر منها. كما ان النص يعبر عن موقف متفائل يعكس الكأبة والحزن الذي يهيمن على اغلب النصوص.

ومع ذلك فالنص يلتقي مع باقي الرومانسيين في وحدة الموضوع، والتعبير عن التجربة الذاتية والوظيفة التعبيرية التأثيرية.