قصيدة ذكريات

نموذج من شعر علال الفاسي: تحليل قصيدة ذكريات وعهود

تمهيد:

صاحب النص هو علال الفاسي , المفكر المغربي المتأثر بالسلفين الاوائل بالمغرب ويعد ضمن المصلحين والسلفين ابان الحركة الوطنية كما كان سياسيا عمليا نشط في عدة هيئات سياسية وتعرض للاعتقال والنفي.

وقد تميز شعر علال الفاسي بالمزج بين القديم والجديد. فالقديم يجسد في العودة الى اصول القيم الثقافية العربية والعودة الى التقاليد الشعرية القديمة. اما الجديد فيتجسد في رصد الواقع والتغني بالحياة و الكون و الانسان و الوطن والحرية كما يميل الى النزعة الدينية الاصطلاحية وذكر السجون و المنافي والحنين الى الوطن و المقاومة و الارتباط بالقضايا القومية الاسلامية, وقد هيمنة الوظيفة التوجيهية على شعر علال الفاسي.

ملاحظة النص:

وبناءا على عنوان النص وبدايته ونهايته وشكله, نفترض ان الجو النفسي للنص هو الحنين واستحضار ذكريات الشاعر ومعاناته ورغبته في استرجاع عهود الحرية, ويدل على ذلك العنوان والبيت الاول الذي يوحي بحزن الشاعر وبكائه و اسقاط تجربته على عناصر الطبيعة. اما البيت الاخير فيركز على استصغار الشاعر للنفي والسجن والموت وفي المقابل حفظ عهده واخلاصه للوطن ايمانا منه ان عهود الحرية ستتحقق وان معاناته ستصبح في سبيل الذكريات.

فالنص ذو بنية مزدوجة. بنية ترتبط بالماضي وتدل اليه عهود الاستقلال والحرية وبنية تنطلق من الحاضر(معناة النفي) نحو استشراق المستقبل وتحقيق الحرية والاستقلال.

كل ما سبق يدل على انخراط الشاعر في قضايا مجتمعية وايمانه بقيم الحرية والوطنية دون اغفال التجربة الذاتية. اما على صعيد الشكل فنلاحظ ان النص نظم على النمط القديم يدل على ذلك الالتزام بنظام الشطرين ووحدة القافية والروي ومعارضة النص القديم التي تتمثل في اتخاذ الطبيعة كاطار للتعبير عن تجربة ذاتية, اذ يذكر النص تجارب امرئ القيس وابوفراس الحمداني.

فهم النص:

وبعد قراءتنا للنص, فيمكن تقسيمه الى الوحدات الفكرية التالية:

الوحدة الاولى:

 من البيت الاول الى البيت السادس: شكو الحمامة واثارته لإحزان الشاعر مما اوحى  له  انها تعاني قساوة الغرابة مثله.

الوحدة الثانية:

  من البيت السابع الى البيت الحادي عشر: دعوة الشاعر الحمامة الى مشاركته معاناته وترداد نشيد العربة و الاسف.

الوحدة الثالثة: 

 من البيت الثاني عشر الى البيت السادس عشر: انتباه الشاعر الى اختلاف الحمامة معه في عمق المأساة. فهي تستطيع النسيان من بالهجرة من موطن الى اخر. اما هو فغربته اضطرارية ولا يستطيع نسيان وطنه الاصلي.

الوحدة الرابعة: من البت السابع عشر الى البت الاخير: اعلانه الوفاء لوطنه واستعداده للصمود وتحدي المستعمر رغم شدة المعاناة.

نلاحظ ان موضوع النص يعبر عن قضية و طينية ذاتية وينطوي ضمن غرض الحنين الى الوطن. الا ان النص تضمن الثقافة القديمة كالوفاء , الشجاعة, الاخلاص, كذلك اشراك الطبيعة.

تحليل:

فالنص اذن يحي القيم الثقافية والفنية للقصيدة العربية القديمة دون ابعاد حضور الشاعر وتعبيره عن قضايا المجتمع.

وبمكن تصنيف معجم النص الى الحقول الدلالية التالية:

حقل الذات:

  اشجاني, احزاني, ابكاني, لكني, مثلي

حقل الطبيعة:

  حمامة, الروض, ارض, بستان

حقل الوطن:

  بلادي, شعبي, قومي

حقل ارض المنفى:

 مغربان ,ربع, هجران,

حقل المستعمر:

  فرانس, اسبان, مؤامرة

ومن خلال معجمه يتبين هيمنة تمتين مركزيتين هما: تيمة الضعف المتمثلة في الحنين والحزن والغربة والمعاناة. وتيمة القوة وتشمل الفرح والثقة والايمان والشاعة والتحدي.

ومن خلال معجمه كذلك يمكن استخلاص العلاقة بين الحقول من خلال العلاقة التي تجمع الشاعر بالأطراف الاخرى وذلك كالتالي:

علاقة الشاعر بالحمامة: هي علاقة مناجاة وانسجام في الغربة    

علاقة الشاعر بذاته: هي علاقة انسجام واحساس بالمعاناة وضرورة الصمود

علاقة الشاعر بالمنفى: علاقة تنافر

علاقة الشاعر بالوطن: علاقة انسجام والفاء

وهكذا نلاحظ ان النواة الدلالية التي تربط شبكة العلاقة بين الشاعر و الاطراف الاخرى هي: النفور من الاخر(المنفى والمستعمر)   والانسجام مع الذات والطبيعة و الوطن.

الايقاع الخارجي:

نظمت القصيدة على وزن تقليدي وهو وزن بحر البسيط الذي يتميز بطوله وكثرة مقاطعه مما يجعله يتسع للتعبير عن تجربة الشاعر, كما انه ملائم للموضوع. وقد اختاره الشاعر تقليدا للقدماء.

الايقاع الداخلي:

تكرار الاصوات وتجانسها. تكرار حرف النون والحاء و الهاء و الجيم. وهذه الاصوات بعضها يتصف بالغنة كالنون وبعضها يتصف بالرخاوة كالحاء وبعضها عميق المخرج كالهاء وتحي هذه الاصوات بالحزن والاسى من جهة والصمود من جهة مما يجعلها مناسبة للموضوع.

وهكذا يتضح ان الايقاع الخارجي للقصيدة تحقق بواسطة الوزن الشعري في حين تحقق ايقاعها الداخلي بتجانس الاصوات.

الصور الفنية:

في النص صور تقليدية ولم تأتي الصور جزئيا بل كانت استعارة الحمامة في القصيدة كلها لنقل تجربة الشاعر. والمكونات التي تجعل من الحمامة استعارة مركزية تعبر عن تجربة الشاعر هي مكونات المشابهة في صفات الضعف و الحنين و الوحدة و الغربة.

واذن فالقصيدة لا تجعل من التصوير الفني والعناية بالصياغة اللفظية هدفا اساسا , بل تنحو نحوا متميزا فرضته خصوصية التجربة. ومن المؤشرات الدالة على ندرة التصوير في القصيدة توظيف الالفاظ على وجه الحقيقة وندرة التشبيه والاستعارة و المجاز.....

ومن المؤشرات الدالة على عدم الاغراق في العناية بالصياغة اللفظية الخلو من المحسنات كالطباق والجناس وغيرها. ويدل كل ذلك على واقعية التجربة وخصة صيتها, فالشاعر يعبر عن قضية او فكرة ويحمل رسالة اجتماعية اكثر مما هي فنية (طغيان القضية على الفن),  ومن تم فان القصيدة ليست محاكاة حرفية للقديم, اذ ان هدفها هو نقل التجربة بأبسط الادوات الممكنة وهذا ما يتضح من خلال اساليب النص.

الاساليب:

وبما ان النص يعبر عن تجربة انية تحمل بعدا ذاتيا وطنيا فقد استعمل الشاعر اساليب تقوم بوظيفة التعبير عن الذات قصد ايصالها الى المتلقي ومن تم هيمنة الوظيفة التوجيهية ومن الاساليب التي تقوم بهذه الوظيفة نذكر:

الاساليب الانشائية:

 النداء:  حمامة الروض

الاستفهام: هل انت مثلي؟

الامر: هيا نردد

استفهام انكاري يفيد النفي: اانساها وتنساني؟؟

استفهام يدل على الاستخفاف و السخرية والتحدي: مالنفي؟ مالسجن؟ مالموت؟

اسلوب الحجاج:

وبما ان هناك علاقة بين الذات و الاخر, فان الذات ترغب في التعبير عن التحدي. لذلك كان الخطاب حجاجيا اقناعيا ويمكن بيان ذلك كالتالي:

الادوات البلاغية التي تحقق هذه الوظيفة	العبارات ذات الوظيفة الحجاجية الاقناعية
الامر و التوكيد	ثق يا بلادي أني ما أزال على ما كان عندي من عزم وايقان
توكيد والتكرار و النفي	أنا الأبي الذي لا يستكين الى ضيم ولايختشي من كيد انسان
الشرط والاستثناء	/ وان اصابك أما أنا

وتفيد هذه الاساليب التأكيد على صحة موقف الشاعر وشدة تعلقه بوطنه ومقاومته للمستعمر. ومن هنا نخلص الى هيمنة الوظيفة التوجيهية على النص ورغبة الشاعر في اقناع المتلقي وقلة الصور الفنية وطغيان الاسلوب الانشائي.

تركيب:

ويرى  بعض النقاد ان خطاب البعث والاحياء مجرد محاكاة لتقاليد الشعر الموروث غير ان هذا الخطاب وان استعاد هذه التقاليد فانه عبر الان نفسه عن تجارب حياتية وقضايا طرحها المجتمع العربي ومستلزمات بناء الذات في مواجهة الاخر.

ويمكن اعتبار شعر علال الفاسي وقصيدته هاته تأكيدا لهذا الراي على مستويين: المستوى الاول: التزام الشاعر بتقاليد الشعر العربي القديم على غرار النصوص السابقة. المستوى الثاني: استيعاب هذا القلب القديم لتجربة حياتية انية تنخرط فيها ذات الشاعر بقضية مصيرية ذات ابعاد دينية ووطنية وقومية

يمكنك الاطلاع ايضا على:

تحليل قصيدة منك ياهاجر دائي لأحمد شوقي-خطاب البعث والاحياء

تحليل قصيدة ميميه في الفخر لمحمود سامي البارودي

نموذج من شعر احمد شوقي: تحليل قصيدة اندلسية

تحليل قصيدة اخشى ان تطول حياتي لحافظ ابرهيم

تحليل قصيدة قف بالمعرة لمحمد مهدي الجواهري