تحليل قصيدة نسر لعمر ابي ريشة
تمهيد:
ان انتماء ابي ريشة الى وسط متقدم ومغرم بالشعر ودراسته بالجامعة الامريكية وبإنجلترا وتأثره بالشعر العباسي من جهة والانجليزي الوجداني من جهة اخرى. اضافة الى تأثره بأحداث العالم العربي خصوصا نكبة فليسطين, كل ذلك جعل شعره يتميز عن النموذج القديم المبني على الصنعة من جهة كما يتميز بسمات وجدانية من جهة اخرى, اي ان شعره تارة وجدانيا يعبر عن رفض الذات للواقع وتارة اخرى كان قوميا خطابيا يعبر عن تخلف واحباط العالم العربي ويومن بانتصاره. اذن فشعر صاحبنا يتميز بالازدواجية بين الياس و الامل وبين القومية والذاتية غير ان ما يهيمن هو البعد الوجداني.
ملاحظة النص:
تتجلى خصائص التجديد والتقليد من خلال ما ستقف عليه في النص. واول ما يلاحظ في النص هو عنوانه حيث اتخذ الشاعر النسر كرمز لتعبير عن الكبرياء والاعتزاز, كما ان اتخاذه كموضوع للقصيدة يجسد خاصية رومانسية وهي عناصر الطبيعة كرمز لفكرة او لرؤيا كما ان الرمز يدل على التجديد على صعيد الصورة, اذ ان الرمز لا يدخل في اطار الصور الفنية القديمة. ويؤكد المقطع الاول كذلك انتماء النص الى الرومانسية, اذ يتخذ عناصر الطبيعة مثلا السفح والجبال باعتبارها مجال تأمل ومصدر الافكار ومهربا من هموم الواقع. اضافة الى ان هذا المقطع يحتوي على هذه الالفاظ واخرى تدل على الاحاسيس والوجدان مثل اغضبني/ وان للجرح صيحة...
و بعد قراءة النص, يمكن تلخيص الموضوع حسب المقاطع التالية:
المقطع الاول:
يستنكر الشاعر نزول النسر الى السفح ويدعو الجبال الى الغضب عليه.
المقطع الثاني:
دعوة الشاعر قمم الجبال الى نسيان النسر واقتلاع اثاره لأنه فقد شماعته وكبريائه وتنكر الجميل للجبال.
المقطع الثالث:
وصف الشاعر لحال النسر عند هبوطه السفح راغبا في فضلات الطعام وخوف الطير ونفورها منه لعدم علمها بذهاب عزته.
المقطع الرابع:
وصف الشاعر احساس النسر بالجوع وتعرضه للإهانة مما جعله يطير في الافق رغم ضعفه.
المقطع الخامس:
عودة النسر الى وكره وموته فيه بعدما ان استعاد كبريائه وفرحه في الاعالي الشامخة.
المقطع السادس:
تمني الشاعر ان يكون حاله كحال النسر خوفا من الموت في عالم السفح والذل.
نستنتج من خلال المضامين ان القصيدة تمتاز بخصائص رومانسية كوحدة الموضوع الذل هو عن حيرة الذات في علاقتها بالواقع وعالم المثل كما ان هذا الموضوع لا يدخل ضمن اغراض الشعر التقليدي ويقدم رؤيا شاملة خاصة بالشاعر.
التحليل:
المعجم:
فالنص ينتمي الى خطاب الرومانسية الذي رسم معالم التحول في سياق الشعر العربي ومن ملامح ذلك في النص التطور في مضمون القصيدة لأنه لا ينتمي الى اغراض الشعر القديمة بل يتميز ببنية جديدة.
وبما ان التجربة الفنية في هذا النص تحضر من خلال عنصرين اساسين هما: الكائن/ النسر و المكان/الطبيعة , يمكن تصنيف معجمه كالتالي:
الكبرياء و الثورة
|
حالة الاستسلام
| ||
المكان/ذرا الجبال
|
الكائن/النسر
|
المكان/ السفح
|
الكائن/النسر
|
مضى
ذرا الجبال
ثوري
صيحة
كبرياء
افـقها المسحور
|
وهجها المستطير
تـيـها
الـوقار
جـلجلت منه زعقة
|
سفح/ ملعب/ مطمح مقبور/ عصائب/ عواصف المقدور/ جوابة السفح/
|
بقايا النسر
هجر الوكر
ترك السحب
هـبط السفح طاويا من جناحيه
نسل الوهن
هيكل منخور
فضلة الارث
|
خصائص المعجم: مستمدة من الذات و الطبيعة
دلالات المعجم:
حقل الاستسلام يحيل الى الواقع المرفوض (التخلف والاستعمار)
حقل الكبرياء: الرغبة والتطلع الى عالم مثالي (مجتمع قوي)
حقل النسر في السفح: احساس الشاعر بالذل في عالم الواقع المتخلف
حقل النسر في القمة: رغبة الشاعر في استعادة عزته ومجده
حقل عودة النسر الى القمة وموته في وكره: رغبة الشاعر الحلول في الطبيعة لأنها عالم خلود والشموخ ورفض الواقع لأنه عالم الذل والفناء.
وهكذا يبدو خصوصا في اخر بيت في النص ان النسر ليس مقصودا لذاته ,فهو مادة التفكير ومصدر الاستيحاء والافكار حول الذات والواقع يراد به ما يرمز اليه من دلالات وايحاءات.
اضافة الى ذلك ان المعجم يبرز بعض التيمات الخاصة بالخطاب الرومانسي نذكر منها:
تيمة الحزن: لملمي يا ذرا الجبال بقايا النسر
تيمة الالم: لـلجرح صـيحة فـابعثيها/ وقـف الـنسر جـائعا يـتلوى فـوق شـلو على الرمال نثير /
تيمة الاستبداد: وعـجـاف البغاث تـدفعه بالمخلب الغض والجناح القصير
تيمة التفاؤل: نشت الآفاق
تيمة الوحدة والتفرد: ذرا الجبال/ هجر الوكر/ المهجور
الادوات الفنية :
اما من حيث المقومات الفنية:
فالقصيدة تراوح ما بين التقليد و التجديد في الايقاع الخارجي: سارت القصيدة على منوال عروض الخليل والدليل على ذلك انها نظمت في البحر الخفيف (فاعلاتن مستفعلن فاعلن) والتزمت قافية موحدة مطلقة مكونة من اربعة عناصر رويها الراء موصولة بياء مردفة بالباء او الواو.
اما من حيث الايقاع الداخلي, فنلاحظ بعض التطوير, اذ اعتمدت القصيدة ايقاعا يخدم المضمون ويجسد حال النسر, كما يجسد احتجاج الشاعر على وضعه الذاتي والاجتماعي و القومي. و الدليل على ذلك هيمنة الاصوات المهموسة في المقاطع الاولى والدالة على الاستسلام (صاد/ سين/ ثاء) , وهيمنة الاصوات المجهورة في المقاطع الدالة على الكبرياء و الثورة (الجيم/ الزاي/ طاء/ ظاء)
الصور الفنية:
وقد استعمل الشاعر صورا متطورة تعكس خصائص الرومانسية, ذلك انه وظف الصورة في النص في التعبير وليس التجميل, كما كان في الخطاب التقليدي . ومن خصائص الصورة في هذا النص:
انها تقوم على استعمال المجاز الذي يستمد مادته من الطبيعة: فاغضبي يا ذرا الجبال/ لملمي يا ذرا الجبال بقايا النسر
تعبر على المعاناة و الالم: نـسل الـوهن مـخلبيه وأدمت/ مـنـكبيه عـواصف الـمقدور
ان القصيدة عبارة عن صورة واحدة تعبر عن تجربة يرى من خلالها الانسان حياته حيث يقيم الشاعر معادلة بين الانسان والنسر. فحياة النسر في السفح يعادلها حياة الشاعر في عالم متخلف مستعمر.
كما تعبر القصيدة عن الحلول والرغبة في توحد الذات بالطبيعة , فعودة النسر وموته في حض وكره يعادلها رغبة الشاعر في احتضان الطبيعة والحلول فيها.
الاساليب:
تهيمن على النص وظيفة التعبير عن الذات واستعمال وظيفة التأثير ويلاحظ ان الذات تحضر في النص من خلال استعمال ضمير المتكلم ومن خلال استياء الطبيعة. اذ تنقل الذات تجربتها وتصورها للحياة من خلال رموز الطبيعة.
هذا اضافة الى ان النص يعبر عن رؤية ولا يربط بالمناسبة او الحدث والى جانب ذلك يلاحظ حضور الاسلوب الانشائي في ثنايا القصيدة ومن الادوات الانشائية نذكر:
الامر: فاغضبي/ واطـرحي / وارمـي
النهي: لا تـطيري
النداء: أيـها النسر
ويتضح ان هذا الاسلوب يحقق نغمة خطابية تأثيرية قصد تكريه القارئ في حياة الذل وحثه على التمسك بحياة العزة.
تركيب:
نستخلص ان النص يبرز فكرة العودة الى عالم المثل كما هو عند الرومانسيين. ان النص يقوم بوظيفة التعبير عن مأساة الشاعر من خلال عالم رمزي
يمكنك الاطلاع ايضا على:
تحليل قصيدة المساء لايليا ابي ماضي
تحليل قصيدة المواكب لجبران خليل جبران
تحليل قصيدة النهر المتجمد لمخائيل نعيمة ( خطاب التطوير و التجديد )
تحليل قصيدة اغنية ريفية لعلي محمود طه
No comments:
Post a Comment
مرحبا بكم على مدونة تحليل النصوص الادبية و النقدية