نموذج من شعر احمد شوقي: تحليل قصيدة اندلسية:
تمهيد:
يقوم خطاب البعث و الاحياء على احياء تقاليد عمود القصيدة العربية و احياء القيم الثقافية العربية و المزاوجة بين التقليد على صعيد الشكل و التعبير عن قضايا العصر على الصعيد المضمون.
واذا كان محمود سامي البارودي مجسدا لهذه الخصائص في شعره لا يحيل عنها قيد شارة, و اذا كان حافظ ابراهيم يمثل امتدادا له, واذا كان الشاعرين معا يمثلان مرحلة الريادة والبعث, فان الشاعر احمد شوقي – عملاق مدرسة البعث – يمثل مرحلة
التأسيس و التأصيل لخطاب البعث والاحياء وارساء خصائصه.
فإلى اي حد يجسد هذا النص خصائص البعث و الاحياء عند شوقي؟ وماهي الخصائص التي ينفرد بها شعر شوقي ضمن شعراء هذا الخطاب؟
وبناءا على شكل النص وعنوانه وظروف نظمه وبدايته و نهايته نفترض ان النص ينتمي الى خطاب البعث و الاحياء, ذلك ان النص ينتمي الى فن معارضة الاوائل, حيث يعارض القصائد الاندلسية الجميلة وينسج على منوالها. وموضوع النص هو الحنين الى الوطن, ويعبر عن جو الاسى و الحسرى.
فهم النص:
وبعد قراءة النص, يمكن تقسيمه الى الوحدات الفكرية التالية:
- منجاة الشاعر وشكواه لنتائج الظلم واشراكها في معناة النفي والبعد عن الوطن و الاحساس بالمأساة رغم وجودهما في الاندلس التي تربطهما بها علاقة قوة تاريخية.
- الوقوف على اثار المسلمين بالأندلس ورثائهم.
- الحنين الى مصر
- مخاطبة الاهل بمصر واخبارهم بحبهم و معاناته من البعد عنهم.
تحليل النص:
المعجم:
وبما ان النواة المركزية او الغرض الرئيسي للنص هو الحنين الى الوطن فانه يمكن تفريع الفاظ النص وعباراته, اي لغته الى الحقول الدلالية التالية:
- الالفاظ الدالة على ذات الشاعر: عوادينا, نشجى, نأسى,.......
- الالفاظ والعبارات الدالة على العمرانية و الطبيعة: اندلس,الطلح, مصر, وادي, النجم, الارض, البرق, السماء, الليل......
- الالفاظ و العبارات الدالة على ذاكرة التاريخ العربي و الاسلامي: رسم, وفاء, اندلس, مصلين, دين, يسود اخلاق...................
استنتاج:
نستنتج ان المادة اللغوية للنص تشكل اداة لإيصال جو الاسى و الحنين. فالحقول الدلالية كلها ترتبط بجو الحنين و الشكوى واستحضار الذكرى وابراز المعاناة الذاتية.
معجم النص كذلك يربط الماضي بالحاضر في تجربة الشاعر. فهو يدل على نظرة الشاعر المأساوية في الماضي و الحاضر نظرا لمعاناة المنفى. كما يدل على نظرة الاجلال و الوفاء للماضي الذي يستحضره ويتذكره. ويدل المعجم ايضا على ارتباط الام الذات ( المنفى و الحنين الى الوطن) بالأم الجماعة (فقدان الاندلس).
اما من حيث خصائص المعجم, فنلاحظ استعمال الشاعر لألفاظ تشاكل معانيها. فهي سلسة في الشكوى و الحنين وجزلة في الرثاء و مخاطبة المصرين واستعطافهم.
وتميز معجم النص كذلك بكونه يحيل الى المعجم القديم.
المستوى الدلالي:
الايقاع الخارجي :
الوزن نظمت القصيدة على وزن البحر البسيط, وقد اختار الشاعر هذا الوزن لكونه ملائم لموضوع الحنين والرثاء لكونه يتسع لتعبير عن تجربة الشاعر لطوله وكثرة مقاطعيه, كما اختاره مجاراة للقدماء وتقليدا لهم.
و قافية القصيدة نونية مكونة من اربعة عناصر. مكونة من مقطعين قصيرين موصولة بالألف مردوفة بياء مثل: عناوينـــا, عناوينـــا, نادينا................
تكرار هذه القافية يضفي ايقاعا يجعل المستمع يتوقع تردده و يستمع به. و كما تميزت هذه بخلوها من العيوب مجاراة للقدماء.
الايقاع الداخلي:
تكرار الاصوات: تكرار لفظ النون بكثرة وهو صوت مجانس لحذف. ويتصف بالجهر و الغنة ويحي الى الشكوى و الحنين. فهذا الصوت يضفي على النص تناغما داخليا وجرسا موسيقيا يقوى. وقد استعمل الشاعر ايضا التوازي الصوتي: قصت جناحك ..................جالت في حواشينا\ أيكا غير سامرنا............ وظلا غير نادينا..
الاساليب البلاغية:
المحسنات البديعية: الجناس : تقص × قص, رسم× رسم.
المقابلة: فرق× جمعنا / × فإن يك الجنس يأبن الطلح فرقنا ×إن المصائب يجمعن.
الصور الفنية:المجاز: حللنا رفيقا من روابينــا { علاقة الجزئية} / التشبيه: عين من الخلد , كزفرة فى سماء الليل حائــرة/ الاستعارة: الصبر لم يأخذ بأيدينا , رمى بنا البين أيكا غير سامرنا.
الاستنتاجات:
نستنتج ان الشاعر يتبع تقاليد القصيدة العربية القديمة في المميزات اللغوية والادوات الفنية و البلاغية ولكنه يطفى عليها سمات من طابعه الجمالي الخاص ويتجلى ذلك على الصعيد اللفظي والايقاعي و العناية بالصياغة اللغوية, كتكرار الالفاظ وتكرار المقاطع.
اما على صعيد الصور الفنية و البديعية, فقد اعتمد التجسيم و التشخيص في الصور الفنية من خلال ربط المحسوس بالمجرد. كما تميزت الصور عند الشاعر بكونها بعيدة الادراك وليدة جهد عقل { وهذا مسماه العقاد بالخروج عن المعلوم}
وهذه المميزات تجعل الشاعر يقترب من مدرسة الصنعة التي قادها ابو تمام.
الاساليب:
للنص وظيفة توجهيه و لذلك يحتل المخاطب موقعا متميزا وبارزا داخل النص و يتجلى ذلك خلال الضمائر: الانتقال من ضمير المتكلم الى المخاطب و المزج بينهما. ووظيفته هي رغبة الشاعر في نقل تجربة المعاناة في الغربة و الحنين الى الوطن الى المتلقي ليشاركه فيها و التأثير عليه و شد انتباهه.
الانتقال من ضمير المتكلم الجمع الى الغائب الجمع. وظيفته اطلاع المتلقي والمخاطب على التاريخ و الماضي التاريخي واثارة الذكرى في نفسه وجعله يشارك الشاعر في اجلال الماضي.
المزج بين المتكلم الجمع و الغائب من اخبار المتلقي و التأثير فيه و اطلاعه عن معاناة المنفى والوفاء للوطن.
المزاوجة بين المتكلم والمخاطب و استعطاف المتلقي المباشر {اهل مصر}.
الاساليب الانشائية:
النداء: يا نائح الطلح : لفت اتباه المتلقي الى معاناة الشاعر.
الاستفهام: ماذا تقصد علينا/ ام نأسى لوادينا: اطلا ع المتلقي على شدة الحسرة و لامن قصد التأثير فيه.
التعجب: اه لنا: تعبر عن استغراب من حاله و اشراك المتلقي في تجربة الحسرة و التفحيح.
ومن خلال هذه الاساليب الانشائية يتضح هيمنة الوظيفة التوجيهية على النص لكونه يدعو التلقي الى التمسك بقيم الاقتداء بالطبيعة, الوفاء, الفتوة, وقيم الوطنية.
تركيب:
وهكذا نرى ان النص تميز بحضور خصائص البعث ولحن الشاعر عناصر جمالية من خلال عنايته باللغة والشكل ,ويتجلى ذلك في اختيار الفاظ مناسبة للمقامات و العناية بالصياغة اللغوية الايقاعية {التجنس وتكرار المفاهيم والعبارات}. الاهتمام بالمحسنات البديعية والتجربة في الخروج عن المعنى في الصورة.
تقويم:
واذا تدبرنا الحكم النقدي لمحمد عبد الهادي الطرابلسي عن شعر شوقي, نستخلص ان مكونات حكمه النقدي مبني على منهج نقدي لساني اسلوبي.
ان حكمه صحيح لان شعر شوقي من خالص شعر العرب لاحتفاظه واحيائه مميزات القصيدة العربية لان الشاعر اضاف احتكارا في الصياغة الفنية و الشكلية و الاكثار من المحسنات.
ونستخلص في قوله غالي شكري: ان حكمه صحصح في المعارضة لذا شوقي ولذا البارودي غرضها من المعارضة,
تقديس شعر القدماء و اقتداءهم في واتخاذهم مثلا اعلى في الشعر.
توظيف الشكل القديم للتعبير عن مضامين معاصرة ,قومية وطنية.
يمكنك الاطلاع ايضا على:
تحليل قصيدة متى يكتب العرب ملحمة لمحمد الحلوي
تحليل قصيدة منك ياهاجر دائي لأحمد شوقي-خطاب البعث والاحياء
تحليل قصيدة قف بالمعرة لمحمد مهدي الجواهري
تحليل قصيدة اخشى ان تطول حياتي لحافظ ابرهيم
نموذج من شعر علال الفاسي: تحليل قصيدة ذكريات وعهود
تحليل قصيدة ميميه في الفخر لمحمود سامي البارودي
No comments:
Post a Comment
مرحبا بكم على مدونة تحليل النصوص الادبية و النقدية