الشعر العربي الحديث






الشكل الجديــــد للشعر العربي



وجد الشاعر الحديث نفسه، وهو يخوض تجربة شعرية جديدة وبمضامين جديدة مرغما على إبداع تقنيات تعبيرية لا تمد بصلة إلى الوسائل التعبيرية الجمالية للقصيدالتقليدية.
وإذا كانت القصيدة التقليدية تخضع في بنائها الفني لشكل واحد، فإن التجربة الجديدة تقتضي ـ في نظر الشعراء الجدد ـ أن تبدع كل قصيدة شكلها الخاص بها. ونتج عن هذا الموقف تداعيين اثنين وهما:
أولا: تنقل الشعراء بين أشكال متنوعة لم يمنح لهذه الأشكال وقتا كافيا لتة ثبت، وتنموا وتنضج
الشعر العربي الحديث

.
ثانيا: تعدد الأشكال ينتج عنه غياب الهدف، مما يوقع القصيدة في الغموض، ويعزل الشاعر على الجماهير.
وبقيت فكرة تعدد الأشكال بتعدد القصائد محصورة في إطار ما هو نظيري، أما على مستوى التطبيق فلن تمارس، بدليل أن أغلب شعراء الحداثة متقاربون في أسلوبهم، وفي طريقة التعبير عن تجاربهم، وفي استخدام الصور البيانية، والرموز، والأساطير، وبناء القصيدة العام
كما أن شكل الشعر الحديث غير مكتمل، فهو ينموا مع التجربة، وبطبيعة الحال، ليس هناك زمن محدد ليكتمل هذا النمو. فالشكل: "ليس نموذجا أو قانونا، وإنما هو حياة تتحرك أو تتغير، فعالم الشكل هو كذالك عالم تغيرات". (أدونيس، مختارات من شعر السياب، 1966، ص6). ومع ذالك فقد تمكن الشعر الحديث بعد عشرين سنة من ظهوره، أن يتجاوز الشكل القديم
و أهم القضايا المتعلقة بتطور عناصر القصيدة الحديثة في سياقها العام هي:


.1. تطوير اللغة:


اللغة جزء من الشكل، تنمو بنموه، لكن نموها لم يتجه في اتجاه واحد، فبعضها يتعلق بشخصية كل الشاعر على حدى، والآخر بالإقليم الذي ينتمي إليه، والعلاقة التي تربطه بالثقافة الأجنبية، والتباين الواضح بين تجارب الشعراء. والخلاصة أنه ليس هناك خاصية واحدة للغة بل خاصيات عديدة، وأشار الناقد محمد النويهي إلى أن أهم ما يميز الشعر الحديث مسألتين: "مسألة اقترابه من لغة الكلام اليومي؛ وثانيهما خروج شكله الجديد عن عادة القواعد العروضية القديمة". (مقدمة من كتاب: قضية الشعر الجديد، محمد النويهي، ص5). 
:الملامح الحقيقية للغة الشعر الحديث.2
تتبع الباحث اللغة في الشعر العربي الحديث، واستخلص مجموعة من الملامح:

الملمح الأول: النفس التقليدي في لغة الشعر الحديث
ويتضح ذالك من خلال استعمال شعراء هذا الإتجاه للعبارات الفخمة، والأسلوب المتين حتى حين يعالجون مواضع أكثر حداثة، كما الحال عند السياب الذي استعمل تعابير تقليدية مثل: (خيف النخل ـ العارض السحاح ـ الإكثار من الصيغة الصرفية فعللة: هسهسة ـ تهزهز ـ تهدهد ـ لولوة.. ومعاملة غير العاقل معاملة العاقل تشبها بأساليب الأعراب).

الملمح الثاني: البعد عن لغة الحديث اليومي.
من المعلوم أن لغة الحديث اليومي هي لغة نفعية، مرتبطة بحياتنا اليومية، في حين تميل اللغة
الشعرية الحديثة إلى المثالية، فاستشراف شعراء الحداثة إلى التغيير، والمستقبل جعل هذه اللغة تبتعد عن
اليومي، وربط الشعراء بين الكلمات بروابط غير متوقعة مما يدهش المتلقي لهذا الشعر، نجد مثلا هذه
اللغة حاضرة في شعر عفيفي مطر، أدونيس، وصلاح عبد الصبور: (القمر الجائع ـ يخيط جرح الماء...)

الملمح الثالث: السياق الدرامي للغة الشعر الحديث.
عندما كان الشاعر التقليدي يبدع قصيدته، فهو غالبا ما يوجهها، ويخاطب بها غيره، أما الشاعر الحداثي، فيهتم أكثر بمخاطبة ذاته، فيما يشبه حوارات ذاتية، أو المناجاة الداخلية/ الجوانية، فتكثر في قصائده الإيماءات، والإشارات، والهمسات، والصور المقتضبة. وتتبع الباحث هذه الخاصية من خلال شعر محمد الفيتوري، وقصيدته: "معزوفة لدرويش متجول".

الملمح الرابع: التعبير بالصورة في الشعر الحديث.
عمل شعراء الحداثة على التخلص من تسلط التراث البياني التقليدي، وفتحوا آفاقا جديدة ورحبة، وتوسيع أفق الصورة البيانية لتتسع لأكبر الإحتمالات الدلالية، والمتصلة بأعماق التجربة الشعرية كما هو الشأن في قصيدة: "بويب" لبدر شاكر السياب. كما لجأ الشاعر الحداثي أحيانا إلى الحد من جموح الصورة الشعرية، والتقليل من إمكانيات التمدد والتوسع بربطها بسائر صور القصيدة.
وتتمتع الصورة البيانية بالخصوبة ـ خصوصا ـ عندما ترتبط بتجربة الشاعر. كما تستمد الصورة الجديدة حيويتها من ثقافة الشاعر، فتصبح قناعاته ترفد المضمون، وتنعكس على الشكل بفيض عاطفي يجعل الصور توغل في الغرابة، مما أبعد تجرب الشعراء الشعرية عن أذواق الناس.
كما أورد الباحث عوامل أخرى كانت وراء نفور الناس من الشعر الجديد، وهو الإطار الموسيقي:

1. .تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث:


إن لجوء الشاعر الحديث إلى القوالب الموسيقية التقليدية بأشطره المتساوية، وقوافيه الموحدة لا يمكن اعتباره إخلالا بالقاعدة المتعلقة بتطور المضمون والشكل في القصيدة الحديثة فهو لم يشأ أن ينسف الأصول إلا بمقدار ما يسمح بالتعبير عن عواطفه وأفكاره دون عوائق، فارتفعت أصوات تنادي بجعل التفعيلة أساسا لعروض جديد، والتصرف في عدد التفعيلات في السطر الشعري، مع الإلتزام بالتفعيلة الواحدة.

.2. الأسس الموسيقية للشعر الجديد:


فرضت الأوزان الشعرية نفسها على ذائقة الجمهور والناس بسبب جماليتها طيلة خمسة عشر قرنا، وكل المحاولات التي سعت إلى كسر النظام التقليدي كالموشحات، والرباعيات، والخماسيات، لم تكن سوى تنويعات على هذا النظام. وقد عمل الشعراء ـ وفي كل العصور ـ على إحداث نوع من المرونة في هذا الإطار الموسيقي بلجوئهم إلى الزحافات والعلل لتكسير وحدات الإيقاع، والتخفيف من صرامته، كما أفادت من في إطار الإيقاع الداخلي من موسيقى الحروف اللينة والحروف الصلبة لتشخيص العواطف والأفكار. كقول الخنساء:

رفيع العماد، طويل النجـــاد وساد عشيرته أمـــــــردا


كما اعتمدوا التضمين لكسر صلابة الوزن، والتخلص من حصر معاني القصيدة في وحدات متساوية. (والتضمين في البيت هو ألا يتم معنى قافية إلا بالبيت الذي يليه). ومع ذالك لم يتمكن الشعراء من تحويل الذوق العام عن النظام الصارم للشكل التقليدي، بل أضافوا قيودا أخرى اختاروها بأنفسهم مثل: لزوم ما لا يلزم ـ القوافي الداخلية... ولم يتطور الإطار الموسيقي للشعر العربي إلا في أواخر الخمسينات من القرن العشرين.

3. مميزات الإطار الموسيقي الجديد:



إن تفتيت الإطار الشعري القديم ذي الشطرين المتوازيين بدأ بالبحث عن تسمية بديل لوحدة البيت التقليدي. فنازك الملائكة سمته: الشطر. أما عز الرين إسماعيل فسماه: البيت. وهناك اختلاف بين البيت الشعري الحداثي والبيت الشعري التقليدي، يتمثل ذالك في:
أ ـ البيت الشعري الحداثي لا يعتبر وحدة موسيقية ذات أصول تابثة، فطوله وقصره مرتبط بالنسق الشعوري والفكري للشاعر.
ب ـ عدد البحور الشعرية في الشعر الحديث أقل منه في الشعر القديم (ينظم الشعر الحديث على ستة بحور، وتسمى البحور الصافية: (الهزج ـ الرجز ـ الرمل ـ الكامل ـ المتقارب ـ المتدارك)، لكن بإمكان الشاعر أن يستخلص من البحر الواحد عددا لا يحصى من التشكيلات الموسيقية. كما استعمل البعض منهم في بعض قصائدهم البحور المختلطة كأدونيس. ويرجع الباحث سبب عدم استغلال شعراء الحداثة لهذه البحور المختلطة إلى عوامل عدة وهي:
ـ مسألة الزحاف: استعمال الزحاف في البحور المختلطة بغية كسر إيقاع الوزن التقليدي.
ـ تنويع الأضرب: إدخال الزحاف والعلل، وإن كانت غير مقبولة في نظر العروضيين القدماء، مثل مستفعلن يجعلونها مستفعلان. بهدف تنويع إيقاع البحور الصافية.

ـ إدماج البحور المتشابهة في قصيدة واحدة: كالمزج بين بحر الرمل، وبحر الرجز، وهو شيء غير مألوف في الشعر القديم. ف "فاعلن"، تصير "فاعلُ". كقول نازك الملائكة:
كأن المغرب لون ذبيح.

فاعلن فاعلُ فاعلُ فعلن.



ـ مسألة التدوير: فإذا كان البيت الشعري في الشعر الحديث لا ينضبط في عدد التفعيلات إلا للدفقة الشعورية والفكرية، فإن هذه الدفقة قد تتجاوز حدود الشطر الشعري أو البيت الشعري بمفهومهما التقليدي مما يترتب عليه أمرين
الأول: التعبير عن الدفقة الشعورية والفكرية دون اللجوء إلى التدوير، أي تفعيلة خماسية.
الثاني: الوقوع في التدوير وإشراك سطر البيت في كلمة واحدة، بأن يكون بعضها في الشطر الأول، وبعضها في الشطر الثاني. وقد فتح التدوير آفاقا أخرى للشاعر الحديث لكي يتخلص من صرامة البيت ذي الشطرين، ومن انتظامه في نسق هندسي رتيب.

.4. نظام القافية في الشعر الحديث:


عمل شعراء الحركة الذاتية قبل الشعر الحديث على التنويع في القوافي، فربطوها بالمعاني الجزئية داخل القصيدة الواحدة، وظل اجتهادهم محصور في هذا الإطار. لكن شعراء الحداثة، وموازاة مع ما أحدثوه من تغيير في نظام البيت الشعري، فقد انعكس ذالك على نظام القافية باعتبارها جزء من البناء العام للنص. وسجل الباحث أحمد المعداوي ثلاث ملاحظات في هذا الإطار:
الأولى: ميل الشاعر الحداثي إلى التعامل مع القافية بصفتها نظاما إيقاعيا يتكون من عدة أحرف مع الحد من بروز حرف الروي، لأن بروزه من شأنه أن يحد من حركة تدفق المعاني، والمشاعر ويربكها. وتطلب هذا من الشاعر أن يتوفر على ثروة لغوية كان الشاعر التقليدي يعلق عليها أهمية بالغة

الثانية: الربط بين نظام قوافي الأضرب المتنوعة والقافية،اعتقادا من الشاعر أنه من شأن اختلاف الأضرب أن يحدث إخلالا في نظام القافية.
الثالثة: علاقة نظام القافية في الشعر الحديث بالجملة الشعرية والتي تتحد في نظر الباحث في نقطتين:
الأولى: تتعلق بالجملة الموسيقية المسرفة الطول، والتي تمتد فيها الدفقة الشعورية امتدادا يغني بتدفقه عن الوقفات المنتظمة التي تحتاج إليها الأبيات الشعرية القصيرة.

الثانية تخص الجملة الموسيقية المتوسطة الطول الواقعة بين الجمل الطويلة، واعتاد الشعراء في مثل هذه الجمل أن يعوضوا عن القافية المتواترة والمترادفة في آخر البت بقافية ذات نبر بارز يختمون بها جملهم المتوسطة.

وأهم ما يميز نظام القافية في الشعر الحديث هو المرونة التي تستمدها من قوة المشاعر والأفكار.

:يمكنك الاطلاع ايضا على
ملخص رواية اللص و الكلاب
القراءة التحليلية لمؤلف ظاهرة الشعر الحديث
التطور التدريجي في الشعر الحديث

No comments:

Post a Comment

مرحبا بكم على مدونة تحليل النصوص الادبية و النقدية

Popular Posts

Labels

أهم القضايا المتعلقة بتطور عناصر القصيدة الحديثة التطور التدريجي في الشعر الحديث الثورة الرومنسية في الوطن العربي الحركة الإحيائية في الشعر العربي الشكل الجديــــد للشعر العربي القراءة التحليلية لمؤلف ظاهرة الشعر الحديث الكفايات المستهدفة الخاصة في مادة اللغة العربية : بالتعليم الثانوي التأهيلي: السنة الثانية من سلك البكالوريا المنهج الاجتماعي تحليل المقالة الادبية تحليل النص المـسـرحي تحليل قصة العصفور على الشجرة ولا شيء في اليد لأحمد بوزفور تحليل قصة شغلانة ليوسف ادريس تحليل قصيدة احمد الزعتر لمحمود درويش تحليل قصيدة اخشى ان تطول حياتي لحافظ ابرهيم تحليل قصيدة اغاني مهيار الدمشقي لأدونيس تحليل قصيدة اغنية ريفية لعلي محمود طه تحليل قصيدة المساء للشاعر ايليا ابي ماضي تحليل قصيدة المواكب للشاعر جبران خليل جبران تحليل قصيدة النهر المتجمد لمخائيل نعيمة تحليل قصيدة رحل النهار لبدر شاكر السياب تحليل قصيدة قف بالمعرة لمحمد مهدي الجواهري تحليل قصيدة متى يكتب العرب ملحمة لمحمد الحلوي تحليل قصيدة منك ياهاجر دائي لأحمد شوقي-خطاب البعث والاحياء تحليل قصيدة ميميه في الفخر لمحمود سامي البارودي تحليل قصيدة نسر لعمر ابي ريشة تحليل قصيدة نهاية السلم لنازك الملائكة تحليل قصيدة وكر النسور لبشارة الخوري تحليل مسرحية اسمع يا عبد السميع لعبد الكريم برشيد تحليل مسرحية عندما يلعب الرجال لسعد الله ونوس تحليل مقالة النقد والقومية العربية لعبد الله كنون تحليل مقالة ريادة الادب لزاكي نجيب محمود تطوير اللغة في الشعربي الحديث تعريف المسرح و مكوناته تعريف المسرحية تعريف المقالة خصائص خطاب البعث والاحياء طريقة تحليل القصة القصيرة عناصر القصة كيف احلل القصة القصيرة مراحل التعامل مع الادب العربي : مميزات الكتابة المسرحية منهجية تحليل القصائد الحديثة منهجية تحليل النصوص الاجتماعية: المنهج الاجتماعي منهجية تحليل النصوص البنيوية: المنهج البنيوي منهجية تحليل شعرخطاب المعاصرة و التحديث منهجية تحليل قصائد خطاب البعث و الإحياء منهجية تحليل قصيدة الخطاب الرومانسي منهجية تحليل قصيدة خطاب البعث و الاحياء منهحية تحليل النص المسرحي مهارة تحليل القصيدة الشعرية مهارة تفسير قضية نموذج تحليلي للمقالة النقدية الاجتماعية " القدماء و المحدثون" لطه حسين نموذج تحليلي للمقالة النقدية البنيوية "القصة القصيرة والاسئلة الكبيرة" لنجيب العوفي نموذج تحليلي للمقالة النقدية النفسية ابن الرومي من خلال نفسيته وتجاربه لمحمد النويهي نموذج تحليلي للمقالة النقدية النفسية نرجسية الشاعر المتنبي ليوسف اليوسف نموذج من شعر احمد شوقي: اندلسية: نموذج من شعر علال الفاسي: تحليل قصيدة ذكريات وعهود