ظاهرة الشعر الحديث






           القراءة التحليلية لمؤلف ظاهرة الشعر الحديث  احمد المعداوي المجاطي



الفصل الأول: التطور التدريجي في الشعر الحديث:
القضية الأولى: الشعر العربي بين التطور، والتطور التدريجي

في هذا السياق أشار الباحث إلى أنه بالفعل حدثت حركية مهمة في الحركة الشعرية العربية، وأرجعها إلى سببين اثنين
الأول: الإحتكاك الذي حصل بين الثقافة العربية، والثقافات الأجنبية الأخرى (يقصد الثقافة الغربية)
الثاني: توفر مناخ من الحرية، فتح المجال أمام الشعراء للتعبير عن تجاربهم
ظاهرة الشعر الحديث

.
وأشار إلى أن هذه الحرية التي ينعم بها الشاعر الحديث، هي نفسها التي كان يتنفس فيها الشاعر العباسي:كالمتنبي، وأبي تمام، وأبي نواس.. وشعراء الأندلس )الموشحات





وكان الهدف المتوخى عند الشعراء قديما وحديثا هو العودة إلى التجربة الذاتية باعتبارها أساس التجربة الشعرية، ورافدها الأساسي.
القضية الثانية: علاقة الشعر بالنقد.
يعتقد الباحث أن العلاقة بين الشاعر والناقد يحكمها التعقيد، ذالك أن الناقد، في العصور القديمة (العصر العباسي)، يستند في أحكامه على النص الشعري بمعايير، ومرجعيات تقليدية، فالعصر الجاهلي يمثل قمة الشعر العربي، ومن هذا الشعر استنبط ما يسمى ب:"عمود الشعر"، وهو القيد الذي عطل الكثير من المواهب الشعرية، واعتبر الحرية الأساس الذي تقوم عليه كل تجربة شعرية جديدة.
القضية الثالثة: خصوصية التجربة الشعرية الحديثة.

لاحظ الكاتب أن هناك ما يميز حركة الشعر الحديث العربية، عن الحركات التجديدية السابقة لها في العصر العباسي، وفي الأندلس. ويرى أن المناخ الذي ولدت فيه هذه الحركة، كان متزامنا مع نكبة فلسطين. وحدد الأشكال التي ظهرت بها هذه الحركة في شكلين:
الأول: حركة شعرية واجهت الواقع التقليدي العربي المتماسك، فكانت حركة بطيئة جدا(جماعة الديوان ـ تيار الرابطة القلمية ـ جماعة أبولو ).

الثاني: حركة واجهت المجتمع العربي بعد أن تفككت بنياته، وفقد تماسكه، فجاء تيار التجديد قويا وعنيفا وجارفا.
ولكي يوضح أكثر هذه الأفكار، أو القضايا، أو الفرضيات التي طرحها في مقدمة كتابه، فقد عمد إلى تقسم الفصل إلى قسمين:
القسم الأول: سيدرس فيه التحولات/ الموضوعات الجديدة التي تسللت إلى مضامين القصيدة الحداثية.

القسم الثاني: سيدرس فيه قضية الشكل كما طرحته هذه التيارات وما قام حوله من خصومات ونقد.

القســـــــم الأول


الحركة الإحيائية:


من أهم خصائصها، محاكاة القدامى، والسير على خطاهم، والنسج على منوالهم. وأهم هذه الحركات:

1 ـ التيار الإحيائي: (ويسمى كذالك المدرسة الكلاسيكية، التيار المحافظ، التيار التقليدي.( 

وكان من أهداف هذا التيار تنظيف القصيدة العربية من كل العوالق التي شوهت معالمها الجمالية طيلة فترة عصر الإنحطاط وبالتالي العودة بها إلى منابعها الصافي عند شعراء العصر العباسي، وشعراء الأندلس، وذالك باقتفاء أثرهم، في المعاني، والأفكار. وأرجع الباحث الأسباب كون أغلب شعراء هذا التيار لم يتصلوا بالثقافة الأجنبية، مما جعل تأثرهم بها ضئيلا، وأورد اسم البارودي كأحد ممثلي هذا الإتجاه.

ـ التيار الذاتي:

كان البحث عن الذات الفردية لدى الشاعر ااذاتي من أهم العوامل التي عمات على تغيير مسار الشعر العربي، وتجنيبه البقاء رهينة للقدماء. وتبلور هذا الإتجاه عند التيارات الشعرية التالية:

2/1 ـ جماعة الديوان:


تشكلت من زمرة من الشعراء الذين أخذوا على عاتقهم التبشير بقيم جديدة، تتماشى والتطورات التي عرفها المجتمع المصري بعد ظهور الطبقة البورجوازية على مسرح الأحداثويمثل هذا التيار كل من: عبد الرحمان شكري، عباس محمود العقاد، إبراهيم عبد القادر المازيني. انطلق هؤلاء من فكرة مفادها: "الشعر وجدان". ثم اختلفوا في تفسير دلالته:
ـ شكري فهمه على أنه التأمل في أعناق الذات.

ـ المازيني رآه في كل ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وإحساسات.
ـ العقاد اعتبره مزاجا من الفكر والشعور.
وانتهى أحد أقطاب هذه الجماعة إلى القول أن الشاعر إذا لم تعرف حياته من ديوانه فما هو بشاعر ولو كان له عشرات الدواوين.
وأرجع الباحث إيمان جماعة أبولو بقيمة العنصر الذاتي إلى عاملين:
الأول: شخصية الفرد المصري التي تعاني من انهيار تام على مختلف الأصعدة مما تطلب منه رد الإعتبار إلى ذاته

الثاني: تشبع رواد أبولو بالفكر الحر، الذي بسط ظله على العقل الغربي في تلك الفترة من تاريخ الأمة العربية.

2/ـ تيار الرابطة القلمية:


تأسست هذه الرابطة من أدباء وشعراء جمعتهم الغربة والبعد عن الأوطان. كان ذالك في أمريكا. وانطلق أقطاب هذا التيار ـ ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران ـ من مفهوم موحد للشعر باعتباره "وجدان"، ولكنه وجدان لا يقف عند حدود الذات، بل يتجاوزها ليشمل الحياة والكون. لقد آمنوا بوجود علاقة خفية تربط الفرد بالكون، وتقربه من الذات الإلهية
ولاحظ الباحث أن أقوال هؤلاء الشعراء تتناقض مع أفعالهم، ذالك أن أغلبهم هربوا من الناس، ومن
الواقع، ومن الحضارة، وغنوا أحلامهم للغاب، والخلاء، حيث ـ من وجهة نظرهم ـ الصفاء، والنقاء:

ـ جبران هرب إلى الطبيعة يناجيها ويبث لها أحلامه.

ـ ميخائيل نعيمة هرب إلى ذاته يتأملها.
ـ إيليا أبو ماض اعتصم بالخيال.
وينتهي الباحث إلى خلاصة مؤداها أن ما في شعر هؤلاء من هيام بالطبيعة، والحنين إلى الصبا، واللهو في سوريا، وفي لبنان، ليس سوى لون من ألوان الهروب التي يلجأ إليها الشاعر الوجداني عندما يحتمي بذاته الفردية كشكل من أشكال المواساة، وتعويض عن قطعه الصلة بينه وبين الحياة.

3/3ـ جماعة أبولو:


اعتُبر أحمد زكي أبو شادي بمثابة الأب الروحي لهذه الجماعة التي تأسست سنة 1932موانطلقت من اعتبار ذات الشاعر هي المصدر الرئيسي لكل ما ينتجه من شعر. ومن أقطاب هذه الجماعة، وما تفرد به كل واحد منهما، وميز شعره ذكر الباحث:
ـ إبراهيم ناجي: دار أغلب شعره حول المرأة، والحب.
ـ أبو القاسم الشابي: هام بالجمال، وعشق الحرية.
ـ عبد المعطي الهمشري: ولع بالطبيعة، واستشراف ما وراء الحياة، من خلال الحياة.
ـ علي محمود طه: شعره حافل بمظاهر البهجة والمسرة، منغمس في متع الدنيا، وملذاتها.
ـ أحمد زكي أبو شادي: كان حتى في شعره الموضوعي ذاتيا.

القسم الثانـــــــــــــي


نحو شكل جديد

فرضت المضامين الجديدة التي نحت منحى جديدا على الشاعر العربي الحديث إعادة النظر في الموروث الشكلي للشعر العربي، فكان لزاما عليه أن يتوسل للتعبير عن تجربته الذاتية، بأشكال مختلفة من الصيغ التعبيرية، والصور الفنية، والإيقاعات الموسيقية.وترتب على ذالك أن جاءت القصيدة الوجدانية، أكثر يسرا وسهولة من القصيدة الإحيائية المتأثرة بالتراث القديم كما نلمسه في القاموس الشعري لدى محمود سامي البارودي المثقل بمفردات البيئة الصحراوية البدوية: (القطا ـ الكاسرات ـ الذئاب ـ أسماء النباتات ...).
القصيدة الحداثية أصبحت أكثر قربا من الحديث اليومي للناس، وتجلت هذه الظاهرة أكثر في اللغة، عند كل من عباس محمود العقاد، في ديوانه: "عابر سبيل". وفي شعر إيليا أبو ماض. كما أن الشاعر الحديث وظف الصور البيانية بربطها بتجربته الشعرية ربطا وثيقا لشرح عواطفه، وبيان حاله، كما عند إبراهيم ناجي في ديوانه: "ديوان ناجي"، وليست مجرد وسائل للزينة. كما أن القافية لم تعد فقط وقفة عروضية شكلية، وإنما ارتبطت بأفكار الشاعر، وعواطفه. وينبهنا الباحث أن هذه المكتسبات لم تتحقق إلا لقلة من الشعراء المتميزين.
ومع ذالك فقد ظلت المحاولات التجديدية محتشمة، ومحبوسة في حيز ضيق، ويرجع الأسباب إلى الحملة العنيفة التي شنها النقاد المحافظون على هذه الحركة. فهم ينطلقون من مفهوم محدد للغة باعتبارها موجود مقدس، وأي مساس بها يعتبر مساسا بالمقدس، ومن هؤلاء النقاد: مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، وكذالك العقاد الذي تحامل على لغة الحركة التجديدية في بعض مقالاته، وإن تراجع/ارتد عن آراءه في آخر المطاف. ويكمن السر في تراجع هؤلاء النقاد عن مواقفهم أنهم لم يعثروا على حجج قوية تقف في وجه التطور والتجديد.
وتحامل النقاد المحافظون أيضا على التجارب الشعرية التي مزجت بين الأوزان المختلفة في قصيدة واحدة، الشيء الذي لا تستسيغه الأذن التي تعودت على سماع الشعر التقليدي، كما فعل إيليا أبو ماض في قصيدته: "المجنون"، التي هاجمها طه حسين، واعتبرها ضرب من الجنون.
لقد حققت حملة المحافظين غاياتها، وأثرت كثيرا في مسار الحركة التجديدية، فتراجع بعض الشعراء عن طموحاتهم التجديدية، في حين توقف البعض نهائيا عن نظم الشعر كما فعل صالح جودت بعد صدور ديوانه الأول، حيث قال: "عزيز علي والله أن أودع الشعر، وأسكب آخر قطراته من قلبي، وأقف موقف الجندي الذي يطمع في الإنتصار، فيلقي السلاح، وينتحر". (مجلة أبولو/ المجلد الثاني ص269).
وانتهت هذه التيارات التجديدية نهاية محزنة ـ على حد تعبير الباحث ـ فالمضمون بقي مرتبطا بنغمة الكآبة، والأنين، والتوجع، والشكوى. كما أن الشكل فشل في الوصول إلى صورة تعبيرية ذات مقومات مكتملة، وناضجة، وذالك بسبب تحامل المحافظين عليها، هذا التيار المحافظ هو من سيتراجع، ويستسلم بعد هزيمة 1948م، وانتصار الكيان الصهيوني. ومع ذالك فقد عاود الشعر العربي محاولة التجديد متسلحا بالحرية التي أصبح الشاعر الحديث يمتلكها، ليخوض تجربة أخرى رائدة برؤية قوامها: الإيمان بالإنسان والمجتمع.

الفصــل الرابــــــــع

الشكل الجديــــد

وجد الشاعر الحديث نفسه، وهو يخوض تجربة شعرية جديدة وبمضامين جديدة مرغما على إبداع تقنيات تعبيرية لا تمد بصلة إلى الوسائل التعبيرية الجمالية للقصيدالتقليدية.
وإذا كانت القصيدة التقليدية تخضع في بنائها الفني لشكل واحد، فإن التجربة الجديدة تقتضي ـ في نظر الشعراء الجدد ـ أن تبدع كل قصيدة شكلها الخاص بها. ونتج عن هذا الموقف تداعيين اثنين وهما:
أولا: تنقل الشعراء بين أشكال متنوعة لم يمنح لهذه الأشكال وقتا كافيا لتة ثبت، وتنموا وتنضج.
ثانيا: تعدد الأشكال ينتج عنه غياب الهدف، مما يوقع القصيدة في الغموض، ويعزل الشاعر على الجماهير.
وبقيت فكرة تعدد الأشكال بتعدد القصائد محصورة في إطار ما هو نظيري، أما على مستوى التطبيق فلن تمارس، بدليل أن أغلب شعراء الحداثة متقاربون في أسلوبهم، وفي طريقة التعبير عن تجاربهم، وفي استخدام الصور البيانية، والرموز، والأساطير، وبناء القصيدة العام
كما أن شكل الشعر الحديث غير مكتمل، فهو ينموا مع التجربة، وبطبيعة الحال، ليس هناك زمن محدد ليكتمل هذا النمو. فالشكل: "ليس نموذجا أو قانونا، وإنما هو حياة تتحرك أو تتغير، فعالم الشكل هو كذالك عالم تغيرات". (أدونيس، مختارات من شعر السياب، 1966، ص6). ومع ذالك فقد تمكن الشعر الحديث بعد عشرين سنة من ظهوره، أن يتجاوز الشكل القديم
و أهم القضايا المتعلقة بتطور عناصر القصيدة الحديثة في سياقها العام هي:

1تطوير اللغة:

اللغة جزء من الشكل، تنمو بنموه، لكن نموها لم يتجه في اتجاه واحد، فبعضها يتعلق بشخصية كل الشاعر على حدى، والآخر بالإقليم الذي ينتمي إليه، والعلاقة التي تربطه بالثقافة الأجنبية، والتباين الواضح بين تجارب الشعراء. والخلاصة أنه ليس هناك خاصية واحدة للغة بل خاصيات عديدة، وأشار الناقد محمد النويهي إلى أن أهم ما يميز الشعر الحديث مسألتين: "مسألة اقترابه من لغة الكلام اليومي؛ وثانيهما خروج شكله الجديد عن عادة القواعد العروضية القديمة". (مقدمة من كتاب: قضية الشعر الجديد، محمد النويهي، ص5 

2. الملامح الحقيقية للغة الشعر الحديث

تتبع الباحث اللغة في الشعر العربي الحديث، واستخلص مجموعة من الملامح:
الملمح الأول: النفس التقليدي في لغة الشعر الحديث

ويتضح ذالك من خلال استعمال شعراء هذا الإتجاه للعبارات الفخمة، والأسلوب المتين حتى حين يعالجون مواضع أكثر حداثة، كما الحال عند السياب الذي استعمل تعابير تقليدية مثل: (خيف النخل ـ العارض السحاح ـ الإكثار من الصيغة الصرفية فعللة: هسهسة ـ تهزهز ـ تهدهد ـ لولوة.. ومعاملة غير العاقل معاملة العاقل تشبها بأساليب الأعراب).

الملمح الثاني: البعد عن لغة الحديث اليومي.
من المعلوم أن لغة الحديث اليومي هي لغة نفعية، مرتبطة بحياتنا اليومية، في حين تميل اللغة
الشعرية الحديثة إلى المثالية، فاستشراف شعراء الحداثة إلى التغيير، والمستقبل جعل هذه اللغة تبتعد عن
اليومي، وربط الشعراء بين الكلمات بروابط غير متوقعة مما يدهش المتلقي لهذا الشعر، نجد مثلا هذه
اللغة حاضرة في شعر عفيفي مطر، أدونيس، وصلاح عبد الصبور: (القمر الجائع ـ يخيط جرح الماء...)

الملمح الثالث: السياق الدرامي للغة الشعر الحديث.
عندما كان الشاعر التقليدي يبدع قصيدته، فهو غالبا ما يوجهها، ويخاطب بها غيره، أما الشاعر الحداثي، فيهتم أكثر بمخاطبة ذاته، فيما يشبه حوارات ذاتية، أو المناجاة الداخلية/ الجوانية، فتكثر في قصائده الإيماءات، والإشارات، والهمسات، والصور المقتضبة. وتتبع الباحث هذه الخاصية من خلال شعر محمد الفيتوري، وقصيدته: "معزوفة لدرويش متجول".

الملمح الرابع: التعبير بالصورة في الشعر الحديث.
عمل شعراء الحداثة على التخلص من تسلط التراث البياني التقليدي، وفتحوا آفاقا جديدة ورحبة، وتوسيع أفق الصورة البيانية لتتسع لأكبر الإحتمالات الدلالية، والمتصلة بأعماق التجربة الشعرية كما هو الشأن في قصيدة: "بويب" لبدر شاكر السياب. كما لجأ الشاعر الحداثي أحيانا إلى الحد من جموح الصورة الشعرية، والتقليل من إمكانيات التمدد والتوسع بربطها بسائر صور القصيدة.
وتتمتع الصورة البيانية بالخصوبة ـ خصوصا ـ عندما ترتبط بتجربة الشاعر. كما تستمد الصورة الجديدة حيويتها من ثقافة الشاعر، فتصبح قناعاته ترفد المضمون، وتنعكس على الشكل بفيض عاطفي يجعل الصور توغل في الغرابة، مما أبعد تجرب الشعراء الشعرية عن أذواق الناس.
كما أورد الباحث عوامل أخرى كانت وراء نفور الناس من الشعر الجديد، وهو الإطار الموسيقي:

1. تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث:


إن لجوء الشاعر الحديث إلى القوالب الموسيقية التقليدية بأشطره المتساوية، وقوافيه الموحدة لا يمكن اعتباره إخلالا بالقاعدة المتعلقة بتطور المضمون والشكل في القصيدة الحديثة فهو لم يشأ أن ينسف الأصول إلا بمقدار ما يسمح بالتعبير عن عواطفه وأفكاره دون عوائق، فارتفعت أصوات تنادي بجعل التفعيلة أساسا لعروض جديد، والتصرف في عدد التفعيلات في السطر الشعري، مع الإلتزام بالتفعيلة الواحدة.

2. الأسس الموسيقية للشعر الجديد:

فرضت الأوزان الشعرية نفسها على ذائقة الجمهور والناس بسبب جماليتها طيلة خمسة عشر قرنا، وكل المحاولات التي سعت إلى كسر النظام التقليدي كالموشحات، والرباعيات، والخماسيات، لم تكن سوى تنويعات على هذا النظام. وقد عمل الشعراء ـ وفي كل العصور ـ على إحداث نوع من المرونة في هذا الإطار الموسيقي بلجوئهم إلى الزحافات والعلل لتكسير وحدات الإيقاع، والتخفيف من صرامته، كما أفادت من في إطار الإيقاع الداخلي من موسيقى الحروف اللينة والحروف الصلبة لتشخيص العواطف والأفكار. كقول الخنساء:

رفيع العماد، طويل النجـــاد وساد عشيرته أمـــــــردا

كما اعتمدوا التضمين لكسر صلابة الوزن، والتخلص من حصر معاني القصيدة في وحدات متساوية. (والتضمين في البيت هو ألا يتم معنى قافية إلا بالبيت الذي يليه). ومع ذالك لم يتمكن الشعراء من تحويل الذوق العام عن النظام الصارم للشكل التقليدي، بل أضافوا قيودا أخرى اختاروها بأنفسهم مثل: لزوم ما لا يلزم ـ القوافي الداخلية... ولم يتطور الإطار الموسيقي للشعر العربي إلا في أواخر الخمسينات من القرن العشرين.

3مميزات الإطار الموسيقي الجديد:


إن تفتيت الإطار الشعري القديم ذي الشطرين المتوازيين بدأ بالبحث عن تسمية بديل لوحدة البيت التقليدي. فنازك الملائكة سمته: الشطر. أما عز الرين إسماعيل فسماه: البيت. وهناك اختلاف بين البيت الشعري الحداثي والبيت الشعري التقليدي، يتمثل ذالك في:
أ ـ البيت الشعري الحداثي لا يعتبر وحدة موسيقية ذات أصول تابثة، فطوله وقصره مرتبط بالنسق الشعوري والفكري للشاعر.
ب ـ عدد البحور الشعرية في الشعر الحديث أقل منه في الشعر القديم (ينظم الشعر الحديث على ستة بحور، وتسمى البحور الصافية: (الهزج ـ الرجز ـ الرمل ـ الكامل ـ المتقارب ـ المتدارك)، لكن بإمكان الشاعر أن يستخلص من البحر الواحد عددا لا يحصى من التشكيلات الموسيقية. كما استعمل البعض منهم في بعض قصائدهم البحور المختلطة كأدونيس. ويرجع الباحث سبب عدم استغلال شعراء الحداثة لهذه البحور المختلطة إلى عوامل عدة وهي:
ـ مسألة الزحاف: استعمال الزحاف في البحور المختلطة بغية كسر إيقاع الوزن التقليدي.
ـ تنويع الأضرب: إدخال الزحاف والعلل، وإن كانت غير مقبولة في نظر العروضيين القدماء، مثل مستفعلن يجعلونها مستفعلان. بهدف تنويع إيقاع البحور الصافية.

ـ إدماج البحور المتشابهة في قصيدة واحدة: كالمزج بين بحر الرمل، وبحر الرجز، وهو شيء غير مألوف في الشعر القديم. ف "فاعلن"، تصير "فاعلُ". كقول نازك الملائكة:
كأن المغرب لون ذبيح.
فاعلن فاعلُ فاعلُ فعلن.

ـ مسألة التدوير: فإذا كان البيت الشعري في الشعر الحديث لا ينضبط في عدد التفعيلات إلا للدفقة الشعورية والفكرية، فإن هذه الدفقة قد تتجاوز حدود الشطر الشعري أو البيت الشعري بمفهومهما التقليدي مما يترتب عليه أمرين
الأول: التعبير عن الدفقة الشعورية والفكرية دون اللجوء إلى التدوير، أي تفعيلة خماسية.
الثاني: الوقوع في التدوير وإشراك سطر البيت في كلمة واحدة، بأن يكون بعضها في الشطر الأول، وبعضها في الشطر الثاني. وقد فتح التدوير آفاقا أخرى للشاعر الحديث لكي يتخلص من صرامة البيت ذي الشطرين، ومن انتظامه في نسق هندسي رتيب.

4. نظام القافية في الشعر الحديث:


عمل شعراء الحركة الذاتية قبل الشعر الحديث على التنويع في القوافي، فربطوها بالمعاني الجزئية داخل القصيدة الواحدة، وظل اجتهادهم محصور في هذا الإطار. لكن شعراء الحداثة، وموازاة مع ما أحدثوه من تغيير في نظام البيت الشعري، فقد انعكس ذالك على نظام القافية باعتبارها جزء من البناء العام للنص. وسجل الباحث أحمد المعداوي ثلاث ملاحظات في هذا الإطار:
الأولى: ميل الشاعر الحداثي إلى التعامل مع القافية بصفتها نظاما إيقاعيا يتكون من عدة أحرف مع الحد من بروز حرف الروي، لأن بروزه من شأنه أن يحد من حركة تدفق المعاني، والمشاعر ويربكها. وتطلب هذا من الشاعر أن يتوفر على ثروة لغوية كان الشاعر التقليدي يعلق عليها أهمية بالغة
الثانية: الربط بين نظام قوافي الأضرب المتنوعة والقافية،اعتقادا من الشاعر أنه من شأن اختلاف الأضرب أن يحدث إخلالا في نظام القافية.
الثالثة: علاقة نظام القافية في الشعر الحديث بالجملة الشعرية والتي تتحد في نظر الباحث في نقطتين:
الأولى: تتعلق بالجملة الموسيقية المسرفة الطول، والتي تمتد فيها الدفقة الشعورية امتدادا يغني بتدفقه عن الوقفات المنتظمة التي تحتاج إليها الأبيات الشعرية القصيرة.


الثانية تخص الجملة الموسيقية المتوسطة الطول الواقعة بين الجمل الطويلة، واعتاد الشعراء في مثل هذه الجمل أن يعوضوا عن القافية المتواترة والمترادفة في آخر البت بقافية ذات نبر بارز يختمون بها جملهم المتوسطة.
وأهم ما يميز نظام القافية في الشعر الحديث هو المرونة التي تستمدها من قوة المشاعر والأفكار.


المكون المؤلفات
الموضوع القراءة التحليلية
الاستاذ موسى طاهر           
  ظاهرة الشعر الحديث  احمد المعداوي المجاطي

يمكنك الاطلاع ايضا على:
التطور التدريجي في الشعر الحديث
الشكل الجديــــد للشعر العربي
ملخص رواية اللص و الكلاب


No comments:

Post a Comment

مرحبا بكم على مدونة تحليل النصوص الادبية و النقدية

Popular Posts

Labels

أهم القضايا المتعلقة بتطور عناصر القصيدة الحديثة التطور التدريجي في الشعر الحديث الثورة الرومنسية في الوطن العربي الحركة الإحيائية في الشعر العربي الشكل الجديــــد للشعر العربي القراءة التحليلية لمؤلف ظاهرة الشعر الحديث الكفايات المستهدفة الخاصة في مادة اللغة العربية : بالتعليم الثانوي التأهيلي: السنة الثانية من سلك البكالوريا المنهج الاجتماعي تحليل المقالة الادبية تحليل النص المـسـرحي تحليل قصة العصفور على الشجرة ولا شيء في اليد لأحمد بوزفور تحليل قصة شغلانة ليوسف ادريس تحليل قصيدة احمد الزعتر لمحمود درويش تحليل قصيدة اخشى ان تطول حياتي لحافظ ابرهيم تحليل قصيدة اغاني مهيار الدمشقي لأدونيس تحليل قصيدة اغنية ريفية لعلي محمود طه تحليل قصيدة المساء للشاعر ايليا ابي ماضي تحليل قصيدة المواكب للشاعر جبران خليل جبران تحليل قصيدة النهر المتجمد لمخائيل نعيمة تحليل قصيدة رحل النهار لبدر شاكر السياب تحليل قصيدة قف بالمعرة لمحمد مهدي الجواهري تحليل قصيدة متى يكتب العرب ملحمة لمحمد الحلوي تحليل قصيدة منك ياهاجر دائي لأحمد شوقي-خطاب البعث والاحياء تحليل قصيدة ميميه في الفخر لمحمود سامي البارودي تحليل قصيدة نسر لعمر ابي ريشة تحليل قصيدة نهاية السلم لنازك الملائكة تحليل قصيدة وكر النسور لبشارة الخوري تحليل مسرحية اسمع يا عبد السميع لعبد الكريم برشيد تحليل مسرحية عندما يلعب الرجال لسعد الله ونوس تحليل مقالة النقد والقومية العربية لعبد الله كنون تحليل مقالة ريادة الادب لزاكي نجيب محمود تطوير اللغة في الشعربي الحديث تعريف المسرح و مكوناته تعريف المسرحية تعريف المقالة خصائص خطاب البعث والاحياء طريقة تحليل القصة القصيرة عناصر القصة كيف احلل القصة القصيرة مراحل التعامل مع الادب العربي : مميزات الكتابة المسرحية منهجية تحليل القصائد الحديثة منهجية تحليل النصوص الاجتماعية: المنهج الاجتماعي منهجية تحليل النصوص البنيوية: المنهج البنيوي منهجية تحليل شعرخطاب المعاصرة و التحديث منهجية تحليل قصائد خطاب البعث و الإحياء منهجية تحليل قصيدة الخطاب الرومانسي منهجية تحليل قصيدة خطاب البعث و الاحياء منهحية تحليل النص المسرحي مهارة تحليل القصيدة الشعرية مهارة تفسير قضية نموذج تحليلي للمقالة النقدية الاجتماعية " القدماء و المحدثون" لطه حسين نموذج تحليلي للمقالة النقدية البنيوية "القصة القصيرة والاسئلة الكبيرة" لنجيب العوفي نموذج تحليلي للمقالة النقدية النفسية ابن الرومي من خلال نفسيته وتجاربه لمحمد النويهي نموذج تحليلي للمقالة النقدية النفسية نرجسية الشاعر المتنبي ليوسف اليوسف نموذج من شعر احمد شوقي: اندلسية: نموذج من شعر علال الفاسي: تحليل قصيدة ذكريات وعهود