تحليل قصيدة قف بالمعرة لمحمد مهدي الجواهري
تقديم:
هذا النص يطلعنا على تجربة خطاب البعث و الاحياء، وهو لصاحبه محمد مهدي الجواهري وهو شاعر يحكم بشاعريته خطاب النضال السياسي والاجتماعي من اجل تغير المجتمع. و الى اي حد يجسد هذا النص خطاب البعث و الاحياء؟ وما هي المميزات التي تميز الجواهري في هذا النص عن الشعراء الاخرين؟ هذا ما سنقف عليه في مضامين النص.
ملاحظة النص:
وبناءا على شكل النص وعنوانه وبدايته ونهايته، نفترض ان النص يحي تقاليد القصيدة العربية القديمة لالتزامه بعمود الخليل والالتزام بعمود الشعر مثل الافتتاح بالوقوف على الاطلال و الاختتام بالتأملات النقدية للحياة. كما النص يحي قيم ثقافية تقليدية مثل الحكمة. و باختصار فان النص مقلد شكلا و مجددا مضمونا، كما انه لا يدخل ضمن الاغراض التقليدية. ونفترض كذلك ان الفكرة العامة للنص هي استيحاء الذاكرة العربية القديمة و التنديد بالقمع الذي يتعرض له المفكرون المجددون في المجتمع العربي.
فهم النص:
بعد قراءتنا للنص، يمكن تقسيمه الى الافكار التالية:
× وحدة تمهيدية من البيت الاول الى البيت التاسع: الوقوف على قبر المعري و استيحاء افكاره ومساءلته عن قلقه الفكري ومصير فكره وتساؤلاته بعده.
× وحدة مركزية من البيت العاشر الى البيت السادس عشر: طمأنة المعري على حال الشعر و الفكر بعده و الاشادة بطه حسين كمفر متشكك ومتمرد على التقاليد.
× وحدة ختامية من البيت السابع عشر الى البيت التاسع عشر: استخلاص ان الثورة الفكرية لازالت تقدم الشهداء ومساءلة المجتمع عن لامبالاته واضطهاده للفكر.
ومما يلاحظ على معاني النص انها تتسم بخصائص بعثية مثل الافتتاح بالوقوف على الاطلال وذكر احداث الماضي ثم الخروج الى المقصود واخيرا الاختتام بالتأملات النقدية. هذا ما جعلها تتسم بتعدد الموضوعات. ويلاحظ ان القصيدة تتميز بالطول بسبب الاطلال في المقدمات التمهيدية. فتضمنت القصيدة كذلك بعض خصائص التطور و التجديد، منها الاستغناء عن وحدة البيت و استقلاليته، اذ نلاحظ مثلا ان البيت الرابع يرتبط بالبيت العاشر و ارتباط البيت الثالث بالخامس. ومن خصائص الرومانسية كذلك في النص التعبير عن تجربة الكأبة و التفلسف و التعبير عن الذات و الحرية. وفد تضن النص بعض خصائص المعاصرة و التحديث مثل الثورية و الالتزام بقضايا السياسة والمجتمع و الذات الشاعرة و الفكر العلماني.
وبناءا على ما تقدم، يمكن تصنيف المعجم الى حقلين دلالين وذلك كالتالي:
× حقل التقليد والقمع: حفرة/حصير/ متعبة/ تشتكي/ بكي/ كأبة
× حقل الشعر و الفكر الثوري: المعرة/ الحكمة/ المفخرة/ عقل / ثورة
فالشاعر قد استعمل معجما لغويا ثريا ووظف الفاظا تناسب معانيها كما ان لغة النص تراثية في ظاهرها (فصيحة مثينة تذكرنا بالقدماء) وجديدة في معانيها (مضمونها ثوري)
وفيما يخص الصور، فنلاحظ ان الشاعر قد مزج صور تقليدية و صور جديدة. ومن امثلة الصور التقليدية نذكر:
× الاستعارة: امسح خذها التربا
كما استعمل الشاعر صور جديدة و حديثة مثل:
× الرمز: "مسيح" و هو رمز للاضطهاد الفكر الثوري. "المعري" يرمز الى الثرات العربي.
× الايحاء: "الحصير" يحيل الى الفقر. "رفوف" الاشارة الى العلم والثقافة.
وما يلاحظ على هذه الصور انها ذات طابع تشخيصي حسي و تتزاوج بين صور قديمة واخرى جديدة، الا ان الصور التقليدية اكثر هيمنة. ولكن هذه الصور قليلة وذلك ناتج عن الوظيفة التوجيهية للنص.
الايقاع الخارجي للنص:
نظم النص على وزن بحر البسيط وقد اختاره الشاعر لأنه يناسب الموضوع كما اختاره مجاراة للقدماء.
الايقاع الداخلي للنص:
اما الايقاع الداخلي للنص فقد بني على ما يلي: تكرار الاصوات مثل تكرار صوت الباء وهو صوت شفوي مجهور يحي برغبة
الشاعر في اسماع انتقاداته والجهر بأفكاره الثورية. كما تحقق الايقاع الداخلي للنص بواسطة المماثلة ومن امثلتها في النص:
ان ما تزال
|
من روحي
|
أن لم
|
اما تزال
|
مروحي
|
الم
|
وقد لجأ الشاعر الى المماثلة رغبة منه في العدول عن القواعد الصوتية واللجوء الى الظواهر السياقية قصد التحرر من التقاليد و القيود والقواعد. اضافة الى هذا فالمماثلة تضفي ايقاعا عاما على النص من تجانس الاصوات و انسجامها.
اما على مستوى التداولي، فقد استعمل الشاعر الاساليب التالية:
× الاسلوب الانشائي:
وقد هيمن على النص خاصة في الوحدتين التمهيدية و الختامية، وهو اسلوب يدل على على قوة انفعال الشاعر وحرارة عاطفته ورغبته في التأثير في المتلقي واستنهاض همته.
× الاسلوب الخبري:
ويهيمن على الوحدة المركزية ويدل على رغبة الشاعر في الاخبار عن حال الفكر في المجتمع العربي الحديث.
× اسلوب السخرية:
في البيت الثامن عشر ويقوم بوظيفة انتقاد الاوضاع.
انطلاقا مما تقدم، نستخلص ان الوظيفة المهيمنة في النص هي الوظيفة التوجيهية دون خلو الوظيفة التعبيرية.
خاتمة:
نستخلص مما تقدم ان شعر الجواهري لم يتجاوز المأزق التقليدي الذي يوحي الماضي ويحي مناخ القصيدة القديمة رغم ثورية مضامينه ورغم معاصرته لاتجاهات شعرية اكثر تحررا. ويمكن ان نقول ان الجواهري يمثل " النفس التقليدي في مدرسة الشعر العربي المعاصر" مما جعل النقاد يختلفون في تصنيف لما في شعره من نفحات رومنسية وواقعية وكلاسيكية الى درجة ان بعضهم اعتبر الجواهري " مدرسة قائمة بذاتها لا يمكن تأطيرها في اتجاه ما".
يمكنك الاطلاع ايضا على:
تحليل قصيدة منك ياهاجر دائي لأحمد شوقي-خطاب البعث والاحياء
تحليل قصيدة متى يكتب العرب ملحمة لمحمد الحلوي
تحليل قصيدة اخشى ان تطول حياتي لحافظ ابرهيم
نموذج من شعر احمد شوقي: تحليل قصيدة اندلسية
نموذج من شعر علال الفاسي: تحليل قصيدة ذكريات وعهود
No comments:
Post a Comment
مرحبا بكم على مدونة تحليل النصوص الادبية و النقدية