ياهاجر

تحليل قصيدة منك ياهاجر دائي لأحمد شوقي-خطاب البعث والاحياء

1.مقدمة:

+ طرح الإشكالية:

يمثل خطاب البعث والاحياء محطة أساسية في فهم حركية الشعر العربي الحديث، وهو خطاب اخرج الشعر العربي من الجمود الذي أصابه ابان عصر ما قبل النهضة (عصر البديع والصنعة والتكلف).

ويقوم هذا الخطاب على احياء القيم الثقافية والجمالية الموروثة من حيث الشكل والتعبير عن قضايا وتجارب انية معاصرة من حيث الموضوع.

+ تخصيص الإشكالية:

واذا كان البارودي وحافظ يمثلان مرحلة الريادة، فان شوقي يمثل مرحلة التأسيس والتأصيل لهذا الاتجاه، وذلك بفضل تجديداته التي تتمثل في عنايته بالصياغة الشكلية، وفيما استحدثه من فنون شعرية كالشعر المسرحي وشعر الأطفال.

+ تحديد الإشكالية:

ويعتبر النص نموذجا لشعر شوقي. فإلى أي حد يعكس النص خصائص خطاب البعث والاحياء؟ وماهي السمات التي تميز شعر شوقي عن غيره من شعراء البعث والاحياء؟

2.العرض:

ملاحظة النص:

وبناء على سيرة الشاعر وشكل النص وبدايته ونهايته، نفترض ان النص يتسم بسمات خطاب البعث والاحياء، ومن الأدلة على ذلك على ذلك:

× ان النص نسج وفق النهج التقليدي المبني على عروض الخليل بن احمد الفراهيدي

× انه ينتمي الى غرض الغزل وهو من الأغراض القديمة

× انه يعارض قصائد الغزل وهو من الأغراض القديمة

× انه يعارض قصائد شعراء الغزل العفيف القدماء

× ان مضمونه يتمحور حول فكرة عامة مفادها معاناة الشاعر فراق المحبوبة ورغبته في تحقيق الوصال

× ان الشاعر اعتنى بالصياغة الشكلية ايقاعا ومعجما وصورا واساليبيا.

فهم النص:

واذا تفحصنا النص، سنجده يتضمن الخصائص التالية:

من حيث المضمون، يمكن تقسيم النص الى الأفكار التالية:

× اخبار الشاعر محبوبته بان هجرانها يسبب تعاسته ووصلها يسبب سعادته (من البيت الأول الى البيت الخامس)

× اعلان الشاعر تشبته بحبه لمحبوبته رغم المعاناة (من البيت السادس الى البيت الثامن)

× إعلانه لها ان سبب معاناته هم الوشاة والرقباء والشركاء، وشدة غيرة الشاعر على الحبيبة ( من البيت التاسع الى البيت الثاني عشر)

× تمني الشاعر تحقيق الوصال والسعادة مع المحبوبة ( من البيت الثالث عشر الى البيت الرابع عشر)

يتضح مما سبق ان مضامين النص تحمل خصائص البعث من ذلك:

+ تعدد الموضوعات مع حسن التخلص من موضوع لأخر.

+ استقلال كل بيت بمعناه وايقاعه وتركيبه (تحقيق الوقفات الثلاث العروضية والدلالية والنظمية)

+ النص يعارض نصوص الغزل القديمة اذ استعمل معانيهم للتعبير عن تجربته الجديدة.

+ النص يحي قيما ثقافية موروثة (قيمة الحب، الوفاء، الإخلاص....كما يستعرض صورة المرأة وفق منظور تراثي)

تحليل النص:

ومن حيث الشكل فاننا نجد ان الشاعر قد اعتنى بالصياغة الشكلية كثيرا ونوضح ذلك كما يلي:

فالمعجم يمكن تصنيفه الى الحقول الدلالية التالية:

+ حقل دال على الهجرة:

هاجر، دائي، شقائي، مماتي في الثنائي، فائي، دمعي، بكائي.......

+ حقل دال على الوصال والسعادة:

بكفيك دوائي، منى روحي، رجائي، نعيمي، حياتي في التداني، حبي، وفائي، راحة، روحي...

+ حقل دال على موقف الشاعر من المجتمع المعارض:

طال بالواشي عنائي، تواريت  بدمعي عن عيون الرقباء، ولا ارضى الهوى من شركائي....

ويتضح ان معجم النص تقليدي يستمد الفاظه من معجم شعراء الغزل القديم، ولكن الشاعر اضفى عليه بعض السمات الخاصة تتمثل في حسن اختيار الالفاظ ومناسبتها للمعاني.

اما الصور الفنية، فقد استعمل منها الشاعر مايلي:

× المجاز المرسل:

بكفيك دوائي َ >>>>> ذكر الكاف وهو جزء وراء الكل  أي الحبيبة (مجاز مبني على علاقة الجزئية)

تواريت بدمعي       عن عيون القباء >>>> ذكر العيون وهو جزء وراء الكل الرقباء (مجاز مبني على علاقة الجزئية)

× الاستعارة:

ارضي غيرى من سماء \ يرضاه ولائي

ويلاحظ ان الشاعر اعتمد على صور تقليدية، الا ان صوره تميزت بكونها تقوم بوظيفة جمالية فنية اكثر من كونها تعبيرية، أي ان الصورة الفنية تهدف الى تزين النص اكثر مما تهدف الى تصوير معاناة الشاعر من الهجر ورغبته في الوصال؛ كما تميزت صور شوقي في هذا النص بالتجسيم والتشخيص والمبالغة (الإحالة: الاتيان بالمعاني الغير المعقولة)

ولم يكتف الشاعر بما تقدم، بل رصع نصه كذلك بالمحسنات البديعية ونذكر منها:

+ الطباق:

دائي / دوائي ، نعيمي/ شقائي ، التداني/ التنائي ، اضحك/بكائي

+ التقابل:

وحياتي في التداني      ومماتي في التنائي  

فالشاعر اذن اعتنى بالصياغة الجمالية الشكلية من خلال الاكثار من المحسنات والصور رغم قصر النص.

وفيما يخص الإيقاع، نجد ان الشاعر قد اعتنى به كذلك، ويظهر هذا من خلال:

× الإيقاع الخارجي:

اختار الشاعر لموضوعه وزنا تقليديا يناسب غرض الغزل، اذ التزم الشاعر بوزن بحر الرمل المجزوء (فاعلاتن فاعلاتن × فاعلاتن فاعلاتن) وهو من البحور الصافية الخفيفة على السمع وتوافق موضوع الحب والمعاناة.

× الإيقاع الداخلي للنص:

الإيقاع الداخلي للنص قام على عنصر التكرار والتوازي الصوتي. فالتكرار يتجسد بتكرار القافية وحروفها. فقد التزم الشاعر بقافية من أربعة عناصر مطلقة موصولة ومردفة.

فالشاعر قد التزم بتكرار حرف الروي "الهمزة" المتحركة بياء المد، وتكرار حرف الوصل "الياء" وتكرار حرف الردف "الف المد".

هذا إضافة الى ان الشاعر وظف التصريع في البيت الأول، ووظف أصواتا مجانسة لحروف القافية. كما وظف الشاعر الموازنة الصوتية بين شطري البيت الواحد، ومن امثلة ذلك:

وحياتي في التداني          ومماتي في التنائي

وهكذا يتضح ان الشاعر قد اعتنى كثيرا بموسيقى القصيدة وخاصة الإيقاع الداخلي.

وعلى صعيد المستوى التداولي، فقد وظف الشاعر الأساليب التالية:

+ الضمائر:

- ضمير المخاطب الدال على الحبيبة لان الشاعر يتواصل معها ويخاطبها رغبة منه في استحضارها وتحقيق الوصال معها والتأثير فيها.

- ضمير المتكلم الدال على الشاعر ويعبر عن معاناته من الى حب ورغبته في تحقيق السعادة ووصل الحبيبة

- ضمير الغائب الدال على الوشاة والرقباء والشركاء، وهو نادر في النص مما يدل على ان الشاعر يتمسك بحبه ولا يبالي بموقف المجتمع المعارض.

+ الأساليب الخبرية:

وتقوم بوظيفة التعبير عن حال المعاناة التي يعيشها الشاعر وحال السعادة التي يرغب فيها

+ الأساليب الانشائية مثل:

- النداء...."يامنى روحي"

- الامر...."نم على نسيان سهدي"

- التمني....."ليتني كنت رداء لك"

وتقوم هذه الأساليب الانشائية بوظيفة تأثيرية قصد التأثير على الحبيبة وتحقيق الوصال معها.

ومن خلال ما تقدم، يتضح ان الوظيفة المهيمنة على النص هي الوظيفة التوجيهية.

خاتمة:

 وهكذا نخرج -من قراءتنا للنص- بقناعة مفادها ان النص يتسم بخصائص البعث والاحياء لأنه نظم في غرض قديم يستوحي معاني القدماء، واستعمل معجما وايقاعا وصورا واساليبا تقليدية، كما هيمنت على النص الوظيفة التوجيهية.

ولكن شوقي تميز بخصائص منها شدة عنايته بالصياغة الشكلية، اذ اعتنى باختيار الفاظ معجمه وصوره تتميز بالتشخيص والتجسيم والاحالة، كما اعتنى كثيرا بالإيقاع.

يمكنك الاطلاع ايضا على:

نموذج من شعر علال الفاسي: تحليل قصيدة ذكريات وعهود

تحليل قصيدة متى يكتب العرب ملحمة لمحمد الحلوي

تحليل قصيدة قف بالمعرة لمحمد مهدي الجواهري

تحليل قصيدة اخشى ان تطول حياتي لحافظ ابرهيم

نموذج من شعر احمد شوقي: تحليل قصيدة اندلسية

تحليل قصيدة ميميه في الفخر لمحمود سامي البارودي