تحليل مسرحية عندما يلعب الرجال لسعد الله ونوس
والنص لصاحبه سعد الله ونوس، وهو اديب سوري شغف بالمسرح ابداعا ونقدا واخراجا. اخرج مجموعة من المسرحيات ناهزت العشرين. وقد مر من الناحية الفنية بثلاثة مراحل؛ وهي مرحلة الاهتمام بالرموز وكشف خبايا النفس قبل حرب 1967 ومرحلة المسرح السياسي بعد 1967 ثم مرحلة الامتداد للمسرح السياسي بعد 1973.
فما هو موضوع النص وخصائص الكتابة المسرحية فيه؟
ملاحظة:
وبناء على سيرة الكاتب وشكل النص نفترض انه نص مسرحي.
الفهم:
والنص عبارة عن مقطع مسرحي يجسد حوارا بين شخصين احدهما شاب يدعي عبد العليم ويتسم بالاستغراق في التأمل، ذو ثقافة واسعة، دائم الابتسامة، وديع ومتواضع. اما الاخر فهو شخص مسن، لكنه مبتسم وضاحك ومتواضع.
اما القضية الأساسية التي يدور حولها الحوار في النص فهي قضية الصراع بين الأجيال واختلاف رؤيتهما للأشياء والتعصب للقديم او الجديد. ويمكن اختزال مواقف طرفي الحوار كالتالي:
فعبد العليم يرى بان جديد الأشياء افضل من قديمها وان مسالة تفضيل القديم ترجع الى العادة، كما يرى ان الاختلاف بين الأجيال مسالة طبيعية وان الحياة تعمها الفوضى قديما وحديثا، ولكنه يرى انه كان من غير الممكن معالجة الفوضى في القديم ولكن في الوقت الحاضر ذلك ممكن ان يعالج لان الأمور أصبحت اكثر اتضاحا لذا الناس.
اما تيسير فيرى ان قديم الأشياء افضل من جديدها، وان المسألة لا ترجع الى العادة وانما لاغتراب الناس عن بعضهم واهتمامهم باللهو والتناحر فيما بينهم خلاف ما كان عليه الامر قديما، حيث كان يسود الوضوح والتفاهم بين الأجيال، وكان الناس يرون الأشياء على حقيقتها. اما الان فان الناس قاصر النظر ولا يدركون حقيقة الأمور.
وهكذا يتضح ان العلاقة بين الطرفين علاقة صراع.
التحليل:
اذا انتقلنا الى تحليل النص فسنجده يتوفر على سمات المسرح:
× الزمن والمكان:
وبما ان المسرح يوحد ويجمع الناس داخل فضاء موحد، فان للزمن والمكان حضور متميز في النص وهما يتسمان بالوحدة، اذ ان الزمن حقيقي وهو زمن العرض، والمكان هو قاعة العرض وخشبة المسرح، مما يجعل الخطاب المسرحي يجمع بين الممثلين والمتفرجين في زمن ومكان واحد.
× وعلى صعيد النماذج الإنسانية التي يجسدها الموقف المسرحي:
نجد ان عبد العليم يجسد نموذج الشاب المثقف المحب للجديد، وتيسير يمثل نموذج الشيخ المثقف والمحافظ، أي ان عبد العليم يجسد الجيل المعاصر وتيسير جيل القديم مما يجعل الصراع بينهما قويا.
× ويمكن رصد مستويات الصراع بين الشخصين كالتالي:
فالصراع الاجتماعي يتجلى في صراع الناس وشجارهم الفكري واختلاف الرؤيا بين الأجيال. لكن النص يركز على الصراع الثقافي الفكري بين جيل عبد العليم المتعطش بالجديد وجيل تيسير المحافظ.
× كما تميز النص بخصائص الكتابة المسرحية، حيث اعتمد انساقا مختلفة من العلاقات، سمعية (صوتية ولسانية) ومرئية (أجساد وحركات)، ويمكن رصدها من خلال الارشادات المسرحية التي تضمنت ما يلي:
+ إشارات الى المخرج كتحديد خصائص المكان وسمات طرفي الحوار وسنهما وموقعهما على الخشبة.
+ إشارات الى الممثل (تيسير، باسما)
+ إشارات الى المشاهد كتقديم النص المسرحي
+ إرشادات الى القارئ ومنها مقدمة النص والتميز الخطي بين أسماء طرفي الحوار، وبين الحوار و الارشادات المسرحية إضافة الى علامات الترقيم.
× كما تميز النص بخاصية الانتقاء والبتر، اذ ان النص تتخلله فراغات مما يدل على انه لا يمنح الاجزء يسير من الكلمات التي يفترضها ان تحقق الحدث ومن تم فالقارئ او المتفرج ملزم بان يفهم المجهول ومن امثلة ذلك في النص "نعم......ومع هذا..........لا أدرى............."
إضافة الى ذلك فالنص يتوسل بذاكرة ثقافية تحيل على أسماء واحداث ووقائع تشغل حيزا هاما في بناء دلالة النص، ومن امثلة ذلك:
+ عبد العليم يحيل الى العلم والثقافة والرغبة في التجديد
+ تيسير يحيل الى التسامح والسهولة والوضوح
+ شجار السمان حمزة وعبد الغني يحيل الى شيوع الفوضى في المجتمع الحالي
× ومن حيث أسلوب النص ولغته، فنجده يعتمد الحوار مما يجعله يتسم بسمة البرهنة والحجاج التي تعتبر خاصية مهمة، لأنها تقوم بوظيفة اثارة وانفعال مشترك عند المتلقي، وتعبر عن موقف الشخصيات ودفاعهم عن صحة وجهة نظرهم والتأثير في المخاطب وتفنيد وجهة الطرف المعارض.
وقد وظف طرفي الحوار حجج وبراهين لإقناع بعضهم البعض لصحة وجهة نظرهما وصدق قضيتهما وابطال دعوى الاخر.
فحجج عبد العليم على تفضيل الجديد هي ان جديد الأشياء أفضل من قديمها وانه يجب التعود على الأشياء الجديدة، وان التغير طبيعي وان اللهو قديم وليس خاص بجيلنا، وانه رغم تدهر الأوضاع وشيوع الفوضى فانه من الممكن معالجتها في الحاضر اكثر من أي وقت مضى.
وحجج تيسير عل تفضيله للقديم هي ان المقاعد القديمة مريحة أكثر والخضر القديمة لذيذة اكثر، وان الأمور أصبحت محيرة اكثر وغامضة، وان الأجيال أصبحت غريبة عن بعضها البعض ولا تفاهم بينها، وان الحياة تزداد فوضى والغشاوة تضرب على عيون الناس.
وبفعل قوة حجج عبد العليم فقد استطاع اقناع تيسير بوجهة نظره مؤكدا له ان رغم الفوضى في وقتنا فانه يمكن معالجتها أكثر من أي وقت مضى.
وبما ان لغة النص حجاجية، فقد شملت على أفعال كلامية مختلفة، والهدف منها هو اقناع الاخر والتأثير عليه من الاقتناع بوجهة نظره. ومن أفعال الكلام في النص الاستفهام ( أأبالغ؟ / أتظن انها السعادة؟) و النفي ( لا اريد ان اصبح) والامر (اصغي الي).
وهكذا نستخلص ان النص يجسد خصائص المسرح، اذ عبر- من خلال ادواته الفنية – عن قضايا يعتريها الصراع بين قوى اجتماعية او فكرية او نفسية تحكمها علاقات التوافق والتضاد.
وبما ان النص المسرحي يمثل على خشبة المسرح ويستهدف انتاج الفرجة، فقد نضمن النص إشارات الى عناصر اخراجية وتميزت جمله بالانتقاء والبتر وتوظيف عبارات والفاظ ووقائع موحية إضافة الى أسلوبه الحجاجي وتوظيف أفعال الكلام.
يمكنك الاطلاع ايضا على:
منهحية تحليل النص المسرحي
ماهو المسرح
مميزات الكتابة المسرحية
الأسس التي يقوم عليها المسرح
No comments:
Post a Comment
مرحبا بكم على مدونة تحليل النصوص الادبية و النقدية