نموذج تحليلي للمقالة النقدية البنيوية "القصة القصيرة والاسئلة الكبيرة" لنجيب العوفي
اذا كان طه حسين قد طبق منهجا اجتماعيا فيقراءة لظاهرة التجديد في الشعر الاموي، واذا كان منهجه مستمدا من النقد الاجتماعي التاريخي الفرنسي لذا سانت بوف و بايبولت ادف تين، فان نجيب العوفي يطبق منهجا واقعيا يستمد مرجعتيه ومفاهيمه من البنيوية التكوينية في النقد الغربي عند الناقد لوسان كولدمان، وقوام هذا المنهج هو اكتشاف بنية النص (مرحلة
الفهم او الوصف) ثم تفسيرها في ضوء تفاعل بنيات المجتمع (مرحلة التعبير او التأويل).
الفهم:
المضمون النقدي:
يقدم النص قراءة في القصة المغربية عبر مراحل نشأتها وتطورها ومدى تجسدها لخصائص القصة في مفهومها النظري الغربي. اذ يعرف القصة القصيرة كفن معاصر خيالي مكثف يعكس تحولات العصر وخبايا النفس ويجمع بين اجناس فنية، وهو فن ملائم لعصر السرعة.
بعد ذلك يقوم بالقراءة في القصة المغربية عبر مرحلتين:
× المرحلة الوطنية ابان الاستعمار حيث كانت القصة تجمع بين المتعة والفائدة وتعبر عن حقائق وتساؤلات، وموضوعها وكذلك بنيتها كانت تقليدية واهتمت بالمضمون اكثر من الشكل.
× المرحلة الاجتماعية في اعقاب الاستقلال، وهي تنقسم الى فترتين. الفترة الأولى هي فترة أواخر الخمسينات حيث حل الهاجس الطبيعي محل الهاجس الوطني، ولكن بصورة غير واضحة. وقد اتسمت القصة باتخاذ الكادح والمثقف كبطلين والقهر الاجتماعي والروحي كموضوعين. والفترة الثانية هي فترة الستينات التي اقتربت فيها القصة من أجواء القصة القصيرة على صعيد الحكاية، اذ وظفت ابطال مغمورين في المجتمع وعلى صعيد الشكل الذي اصبح مناسبا للجميع المشتت.
يتضح ان الناقد قرأ الظاهرة من خلال شروط انتاجها في اطار تفاعلها مع الواقع دون اغفال تطورها الداخلي مما يدل على ان الناقد يستند الى منهج واقعي موضوعي المتمثل في البنيوية التكوينية لذا كولدمان.
التحليل:
+ المسار المنهجي:
وقد اتبع الناقد مسارا منهاجيا استنباطيا في قراءة الظاهرة وذلك كالتالي:
-التمهيد بإصدار حكم افتراضي يحدد خصائص القضية نظريا.
-الربط بين طبيعة الظاهرة وطبيعة العصر (شكل مناسب لطبيعة المجتمع المشتت)
- تفسير الظاهرة وتقويمها والاستدلال عليها وذلك برصد ما يلي:
أ. العوامل التاريخية.....مرحلة الاستعمار – اعقاب الاستقلال – أواخر الخمسينات – المرحلة الوطنية..........
ب. العوامل الاجتماعية....الصراع ضد المستعمر – الصراع ضد حلفاءه – الصراع بين الطبقات
ج. العوامل والخصائص الداخلية....حيث يصف البنية والنسق الداخلي للقصة بمفهومها النظري وفي القصة المغربية ومن حيث وظيفتها والبطل والشكل والموضوع.
-الانتهاء بتأكيد الحكم عن القصة المغربية بكونها اقتربت من أجواء وحساسية القصة القصيرة مع اختلاف القصاصين من حيث الرؤيا والحساسية واللغة.
+ اما من حيث المنهج النقدي والمفاهيم والأدوات النقدية ومرجعتيها النظرية فنلاحظ ان الدارس قد وظف مفاهيم نقدية بنيوية تكوينية تزاوج بين دراسة النص من الداخل (الشكل، البنية، البطل....) ودراسة من الخارج اذ يوظف مفاهيم نقدية اجتماعية، ويدرس القصة عبر مراحل تاريخية، وجعل الصراع السياسي (الوطني، الطبقي) هو محرك التاريخ. ويتضح ان هذه المفاهيم مستمدة أولا من المذهب الماركسي مثل امة، طبقة، الواقع.....
ومن تم نستخلص ان المنهج الذي اعتمده الكاتب هو المنهج الواقعي الذي يجد مرجعيته في البنيوية التكوينية عند كولدمان، وهو منهج نقدي اجتماعي ماركسي يتجاوز هفوات الاتجاه البنيوي الوضعي، الذي يقتصر اهتمامه على النص من داخله وبنيته الصرفية والصوتية والمعجمية متغافلا عن علاقة النص بصاحبه و عصره.
اما البنيوية فهي تزاوج بين شكل المضمون ومضمون الشكل وتتعامل مع النص كبنية تحليل مستوياته اللسانية، ولكنها تفتحها على بنية المجتمع باعتبارها منتجا لبنيته اللسانية.
ويعتمد هذا المنهج في دراسته للنصوص على اساسين. اكتشاف بنية النص، ثم تفسيرها في ضوء تفاعل العصر، أي انه يحلل الظواهر عبر مرحلتين (مرحلة الوصف او الفهم) ثم مرحلة التفسير التي تبرز العلاقة الوثيقة بين الخلفية الاجتماعية والظاهرة الأدبية، ويتجسد ذلك في النص كالتالي:
الخلفية الاجتماعية (التفسير- اكتشاف بنية المجتمع الذي تعبر عنه)
|
الظاهرة الأدبية (الوصف: تحليل بنية النص)
|
الحقبة الاجتماعية
| |
-الاستعمار
-هيمنة الوعي الوطني على الاجتماعي
-هيمنة الامة على الطبقية
-هيمنة السياسي على الثقافي
|
الموضوع او الوظيفة:
المتعة والفائدة تنطوي على حقائق حول الهوية الوطنية واحيانا الاجتماعية.
- البطل: وطني واحيانا كادح
-البنية: تقليدية
- الاهتمام بالمضمون
|
الاولى
| |
-الاستقلال السياسي
-هيمنة البعد الاجتماعي: هيمنة الانتماء الطبقي على الوطني
-غموض المسالة الاجتماعية
-تعقد اليات الصراع
|
الموضوع او الوظيفة: تعبر عن الصراع الطبقي والقهر الاجتماعي والروحي
-البطل: الكادح والمثقف
|
فترة الخمسينات
|
الثانية
|
-وضوح الصراع الاجتماعي
-المجتمع المشتت
|
اقتربت من أجواء وحساسية القصة القصيرة على صعيد:
-الحكاية: ابطالها مغمورين هامشين
-وعلى الصعيد الشكل: مناسب للمجتمع المتشتت مع اختلاف بين القصاصين في الرؤيا والحساسية واللغة القصية
|
على امتداد الستينات
|
نستخلص من خلال الجدول ارتباط الادب بالمجتمع، وقد جسد الناقد هذا الارتباط من خلال دراسة بنية النص في تحولها (أي غير ساكنة كما يفل البنيويون) ومن خلال نظامها وقواعدها الخاصة، ومن خلال دراسة الخلفية الاجتماعية التي يحيل عليها معتبرا النص وشروط انتاجه ومعتبرا الجماعة منتجة للنص دون اغفال الفروقات الفردية بين النصوص، أي اعتبار الفرد منتج للنص ولكنه فرد اجتماعي وليس سيكولوجي، باعتباره وسيطا بين النص والجامعة.
تركيب:
ويرتبط هذا التصور للظاهرة الأدبية، بنظرة جدلية الى علاقة المحيط بالأديب وتتجاوز النظرة الالية التي اعتمدها طه حسين، حيث جعل الادب يتغير بتغير المجتمع أوتوماتيكيا ولم يحتفظ للأدب باستقلالية في التطور منفصلة عن تطور المجتمع. اما صاحب النص -ذو المنهج البنيوي التكويني عموما- فيعتبر ان التماثل بين البنى الفكرية والبنى الاجتماعية لا يتم على مستوى الانعكاس الالي وانما على مستوى ما يشبه التناظر بين الهياكل الأدبية والاجتماعية. ومن تم يترك هامشا من الاستقلالية للظاهرة الأدبية ومن الأدلة على ذلك في النص:
""انه لم ينفي وجود قصصا تعالج البعد الاجتماعي في المرحلة الوطنية، ولم يجعل القصة في اعقاب الاستقلال متجانسة وانما ميز بين القصة في الخمسينات والستينات. رغم ان المجتمع واحد (مغرب الاستقلال). وأخيرا فالنص يترك هامشا من الاختلاف بين الادباء من المجتمع الواحد......"""
:يمكنك ايضا الاطلاع على
نموذج تحليلي للمقالة النقدية النفسية ابن الرومي من خلال نفسيته وتجاربه لمحمد النويهي
نموذج تحليلي للمقالة النقدية النفسية نرجسية الشاعر المتنبي ليوسف اليوسف
نموذج تحليلي للمقالة النقدية الاجتماعية " القدماء و المحدثون" لطه حسين
تحليل مقالة ريادة الادب لزاكي نجيب محمود
تحليل مقالة النقد والقومية العربية لعبد الله كنو
No comments:
Post a Comment
مرحبا بكم على مدونة تحليل النصوص الادبية و النقدية